التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٢٢
تتحقق أمانيهم بواسطتها، ويستدر النفع، ويتجنب المضار باستشفاعهم " لا يخلو من قصور (1).
فإن أراد " أن النفع الأخروي والتجنب عن الضرر الأخروي لا يجوز سؤاله من غير الله سبحانه، ويكون عند ذلك مثل الوثنيين الجاهليين " فقد صرح القرآن بخلافه، إذ لا شك أن دعاء الرسول لمؤدي الزكاة موجب للسكن لهم، ورافع للاضطراب عنهم، إذ قال سبحانه: (وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم) (التوبة - 103).
كما أن استغفار الرسول موجب لغفران الذنوب لقوله سبحانه:
(ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) (النساء - 64).
كما كان دعاء يعقوب موجبا لغفران ذنوب أبنائه لقولهم: (يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا).
فأجابهم يعقوب - عليه السلام - إذ قال: (سوف أستغفر لكم ربي) (يوسف - 98).
وهو كاشف عن جدوى استغفاره، إذ لولا ذلك لما وعدهم به، وعندئذ يجوز أن يطلب من الرسول الدعاء والاستغفار وهو طلب النفع الأخروي.
وأي نفع - ترى - أولى من النفع الأخروي، وأي دفع ضرر أهم من دفع

(1) أضف إلى ذلك: أن عرب الجاهلية وإن كان يتجنب المضار باستشفاعهم، إلا أن عملهم هذا كان مبنيا على القول بألوهيتهم ولأجل ذلك عد عملهم شركا، وكم فرق بين طلب دفع المضار بالاستشفاع بما أن الشفيع عبد مكرم يشفع بإذنه سبحانه، أو أنه إله يعبد ويستقل في فعله وعلى ذلك لا فرق بين الضرر الدنيوي والأخروي، في جوازه على الأول، وعدمه على الثاني مطلقا، وكان على الأستاذ تركيز البحث على اعتقاد السائل في حق من يطلب منه جلب النفع ودفع الضرر في أنه هل يعتقد بألوهية المسؤول واستقلاله في الجلب والدفع، أو يعتقد بعبوديته وإنه لا يجلب ولا يدفع إلا بإذنه؟ يجب أن يركز على هذا لا على الفرق بين الضرر الدنيوي والأخروي.
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»