التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١١٧
على أن ما يحكيه الله سبحانه عنه ويخاطبه به يوم القيامة، يدل على وقوع هذه الآيات أتم دلالة حيث قال:
(وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى...) وها هنا يبرز سؤال وهو: إذا كان الإخبار عن الغيب آية من آياته المعجزة فلماذا لم يقيده ب‍ " إذن الله " فيما سبق: (وأنبئكم بما تأكلون) كما قيد الآيات الأخر بهذا القيد مع أن الإتيان بكل آية من آيات الرسل مقيد بإذن الله سبحانه حيث يقول:
(وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) (غافر - 78).
والإجابة عن هذا السؤال واضحة: فإن الأخبار عن ما يأكله الناس ويدخرونه في بيوتهم ليس كالخلق والإحياء وإبراء الأكمه والأبرص، فإن القلوب الساذجة تقبل وتتوهم إلوهية خالق الطير ومحيي الموتى ومبرئ الأكمه والأبرص بأدنى وسوسة ومغالطة بخلاف إلوهية من يخبر عن المغيبات، فإنها لا تذعن بالاختصاص الغيب بالله سبحانه، بل تعتقده أمرا يناله كل مرتاض أو كاهن، ولأجل ذلك لم ير حاجة إلى تقييده ب‍ (إذن الله) (1).
سؤال آخر هو: أن قوله سبحانه: (أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله) مشتمل على أمور:
1 - خلق هيئة الطير من الطين.
2 - النفخ في تلك الهيئة.
3 - صيرورتها طيرا بإذن الله.

(1) الميزان: 3 / 218.
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»