التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١١٩
(أبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله) (آل عمران - 49).
حتى أن الله سبحانه نسبها إلى المسيح وخاطبه بها وقال:
(وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني) (المائدة - 110).
على أن الله يصف طائفة من ملائكته أيضا بهذه السلطة فيقول عن جبرئيل بأنه:
(شديد القوى) (النجم - 5).
أي قواه العلمية كلها شديدة فيعلم ويعمل (1) وكيف لا يكون ذا قوة وقد اقتلع قرى قوم لوط فرفعها إلى السماء ثم قلبها، ومن شدة قوته صيحته على قوم ثمود حتى هلكوا (2) ولو كان المراد من شديد القوى هو جبرائيل فقد وصفه الله في موضع آخر بقوله:
(ذي قوة عند ذي العرش مكين) (التكوير - 20).
ومن هذا هو شأنه فله السلطة الغيبية بإذن الله سبحانه على الكون.
وهل هناك سلطة غيبية أظهر من هذه التي يثبتها القرآن الكريم لفريق من عباد الله وأوليائه، فإذا كان الاعتقاد بالسلطة الغيبية لأحد ملازما للاعتقاد بألوهيته لزم أن يكون جميع هؤلاء: آلهة من وجهة نظر القرآن، بل لا بد من القول بأن تحصيل مثل هذه السلسلة الغيبية أمر ممكن لأشخاص آخرين - حتى غير الأنبياء - عن طريق العبادة.
فالعبادة - التي يتصور أغلبية الناس أن آثارها تنحصر في جلب رضاء الله، ودفع غضبه فقط - ربما تمنح الروح قدرة عظيمة، وبعدا أعمق من ذلك.

(1) مجمع البيان: 5 / 173.
(2) مفاتيح الغيب للرازي: 7 / 702.
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»