التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٢٦
الشرك، والحيدة عن جادة التوحيد!! وسموا فاعله مشركا، حتى أنه اتفق لي أن التقيت ذات يوم بواحد من " هيئة الأمر بالمعروف " في المسجد الحرام، فاتفق أن صدر مني تكريم بانحناء رأسي - أثناء ذلك اللقاء - وإذا بذلك الشخص يقول - في جد وانزعاج -:
لا تفعل هذا... إنه شرك محرم... لا تحني رأسك إنه شرك!!
والحق أنه لو كان معنى الشرك والتوحيد هو كما ما يراه الوهابيون ويقولون به، إذا لما أمكن أن نمنح لأي أحد تحت هذه السماء وفوق هذه الأرض (هوية الموحد) ولما استحق أحد أن تطلق عليه تلك الصفة أبدا.
لقد نقل لي صديق ثقة أن إمام المسجد النبوي وخطيبه: الشيخ عبد العزيز كان يقول في تحديد الشرك:
(إن كل تعلق بغير الله شرك)!
أقول: لو كان معنى الشرك هو هذا الذي يقوله إذن لا بد أن نعتبر كل البشر على هذه الأرض مشركين، بلا استثناء، حتى الوهابيين أنفسهم، لأنهم يتوصلون إلى تحقيق مآربهم وتنفيذ حاجاتهم عن طريق التعلق والتوسل بالأسباب مع أنه لا يمكن أن يقال إن الأسباب والعلل هي الله، بل هي غير الله، فينتج هذا أن يكون تعلقهم بالأسباب وتوسلهم بالعلل توسلا بغير الله، وتعلقا بسواه!
في حين أن هذا النوع من التعلقات والتشبثات ليست لا تعد شركا فقط بل هي (عين التوحيد وصميمه) لأن حياة الإنسان في هذه الدنيا مشدودة إلى الأسباب والعلل.
غاية الأمر أن عليه أن لا يعتقد لهذه الأسباب والعلل أي استقلال وانقطاع عن الإرادة الإلهية العليا، بل لا بد أن يعتقد بتأثيرها تبعا لمشيئته سبحانه، نعم إن التعلق بالأسباب والعلل الظاهرية المادية قد يكون (عين التوحيد) من جهة،
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»