التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٢٠
فالعبادة ذات تأثير جدا عظيم، وفي الباطن، والروح.
إذ الانتهاء عن المحرمات، والمكروهات، والتزام الواجبات والمستحبات، الإخلاص فيها ذو أثر عظيم، وعميق في تقوية الروح، وتجهيزها بقدرة خاصة خارقة للقوانين والسنن بحيث تكون الروح منشأ لآثار خارقة للعادة.
وهذا هو ما أشارت إليه أحاديث صحاح منها: ما روي في الحديث القدسي عن قوله تعالى:
" ما تقرب إلي عبد بشئ أحب إلي مما افترضت عليه، وأنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها " (1).
فالحق: أن السلطة الغيبية التي أعطاها سبحانه لخيار عباده ليتصرفوا في الكون بإذنه ومشيئته، ويخرقوا قوانين الطبيعة في مجالات خاصة لا تستلزم الاعتقاد بالإلوهية، ولا يكون صاحبها ندا وشريكا لله تعالى.
نعم، الاعتقاد بالسلطة الغيبية " المستقلة " من دون أن تكون مستندا إليه سبحانه هو الموجب للاعتقاد بالإلوهية، وقد قال سبحانه في هذا الصدد:
(وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) (الرعد - 38).

(١) أصول الكافي: ١ / ٣٥٢، روى هذا الحديث بإسناد صحيح، والرواية ظاهرة في أن العبادة تخلق للنفس قدرة خارقة مما لا ينكر، واحتمال أن المقصود منها أن فعل العبد يكون محفوفا برضاء الله سبحانه، وأنه لا يفعل ولا يترك إلا ما فيه رضاه، احتمال مرجوح جدا، فإن الحركة على طبق رضاه طيلة الحياة، ليست أثر خصوص فعل الصلوات - فرائضها ونوافلها - بل هي قبل كل شئ إثر الإيمان بالله وثوابه وعقابه، لا الإقبال على الفرائض والنوافل، ولو كان لهذه الأفعال تأثير في تلك الحركة فليكن للصوم والحج والجهاد، تأثير أيضا، فلماذا لم يذكرها؟
فعلم أن للصلاة - فريضتها ونافلتها - تأثيرا في تقوية النفس والروح وترفعتها إلى حد يقدر معه الإنسان، على أن يكون مظهرا لله سبحانه في بصره وسمعه. وبطشه وتكلمه، فيبصر ببصره، ويسمع بسمعه، ما لا يبصر ولا يسمع بغيره.
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»