الناس، مع أنهم يعيشون في أدوار متعاقبة لم يعاصر بعضهم بعضا، كما يعيشون في الدور الواحد في الشرق والغرب قد لا يرى أحدهم الآخر، وعلى فرض أنهم يعيشون معا في بلد واحد وحتى لو كانوا في محلة واحدة فهل يعلم أحدهم بكامل أعمال الآخر؟ قطعا لا، وعلى فرض أنه يشهد ببعض ما شاهده من عمله، فهل يعلم هذا الشاهد بحقيقة ذلك العمل وما نوى به صاحبه من حق أو باطل؟ مثلا شاهدتني أصلي وشهدت لي بما عملت وشاهدت لكن هل تعلم أني صليت خالصا لوجه الله أو كانت صلاتي رياء؟ وهل علمت أن صلاتي - مثلا - كانت جامعة لشرائط القبول أم لا؟ قطعا لا تعلم ذلك، فكيف تشهد به؟ وكيف يقبل الله شهادتك؟
هذا مع العلم ان الله يحاسب الناس يوم القيامة بما كسبت قلوبهم وما انطوت عليه ضمائرهم من الحقائق في الأعمال، ومن المعاني النفسانية من الكفر والإيمان والفوز والخسران كما قال تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ([البقرة / 226].
وهذه الأمور النفسانية لا تدركها الحواس الخمسة الظاهرية، ولا يعلمها أحد إلا الله، أو من يعلمه الله ويتولى أمره ويكشف له ذلك بنفسه لأنه تعالى هو وحده العالم بما في الضمائر المطلع على ما في السرائر، وعلى كل لا بد من أن يكون الشاهد عالما بما يشهد به، وليس ذلك باستطاعة الأمة بكاملها بحكم العقل والوجدان والذوق السليم والمنطق الحاسم، والتحليل العلمي.