الرسول بين المهم والأهم:
عبس وتولى: أي واجه الموقف بالعبوس الذي يتمثل في تقلص عضلات الوجه وقسوة النظرة، والإعراض عن هذا السائل الملحاح.
أن جاءه الأعمى: الذي عاش مسؤولية الإيمان في مسؤولية المعرفة، كما عاش مسؤولية الدعوة في حاجتها إلى الوعي الرسالي في كل مفردات الرسالة في العقيدة والشريعة، فأراد أن ينتهز فرصة وجود النبي (ص) مع المسلمين ليأخذ من علمه، مما أنزله الله عليه من كتاب، وما ألهمه من علم الشريعة والمنهج والحياة.
ولكن النبي) ص) لم يستجب له لأن هناك حالة مهمة يعالجها في دوره الرسالي المسؤول، في محاولة لتزكية هؤلاء الكفار من وجهاء المشركين، طمعا في أن يسلموا ليتسع الإسلام في اتباع جماعتهم لهم، لأنهم يقفون كحاجز بين الناس وبين الدعوة، ولذلك أجل النبي (ص) الحديث مع هذا الأعمى إلى وقت آخر، إذ كانت الفرص الكثيرة تتسع للقاء به أكثر من مرة، فتكون له الحرية في إغناء معلوماته بما يحب في جو هادئ ملائم، بينما لا تحصل فرصة اللقاء بهؤلاء دائما، فكانت المسألة دائرة - في وعيه الرسالي - بين المهم في دور هذا الأعمى، وبين الأهم في دور هؤلاء الصناديد. ولكن الله يوجه المسألة إلى ما هو الأعمق في قضية الأهمية في مصلحة الرسالة، باعتبار أن هذا الأعمى قد يتحول إلى داعية إسلامي كبير (وما يدريك لعله يزكى) فيما يمكن أن يستلهمه من آيات القرآن التي يسمعها، مما يغني له روحه، فتصفو أفكاره، وترق مشاعره، وتتسع آفاقه، وتتعمق معرفته بربه، فيؤدي ذلك إلى عمق في الفكر، وسعة في الأفق، وغنى في الشخصية، وحيوية في