الامامة ذلك الثابت الإسلامى المقدس - الشيخ جلال الصغير - الصفحة ١٤١
من الأمور التي تحتاج إلى وضوح كامل، لأن أي غبش في صورة الشرعية يمكن أن يفتح شارع الحروب الأهلية والانقلابات السياسية وضعيفة أمن المجتمع والفرد، ومن وراء ذلك كله أسوء سور الدمار والتكك الاجتماعي وشرذمة تفتيت الصف الواحد، لهذا لا بد من يكون تشخيص المرجعية السياسية التي يتحدد عبرها إطار الشرعية (1) بشكل حاسم ودقيق لأي تهاون في

١ - يمكن القول بأن غالبية المشاكل السياسية التي عانى منها المجتمع الإسلامي بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ترتبط ارتباطا لصيقا بهذه المشكلة، وقد حاولت النظم السياسية المتعاقبة أن ترسي دعائم مشخصة لهذه الشرعية، غير أنها لم تزد في النار إلا إضراما، حيث حاولت هذه النظم إيجاد تغطية فكرية لما حصل بعد السقيفة، وقد أطلقت هذه المحاولة مع ما أفرزه صراعها مع قوى المعارضة السياسية العديد من الأنماط الطائفية التي تحزبت لهذا الغطاء أو لذلك، ولهذا تجد الفكر الذي لم يتخذ من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) منهجا يتعدد في نظرته تجاه الشرعية المزعومة، حيث نجد أن قسما من هؤلاء اتجه باتجاه القول بأن الشرعية تتولد نتيجة لرأي أهل أحل والعقد، وهؤلاء كانوا قد أن تقسموا إلى قسمين قسم قال برأي مشابه لما حصل في سقيفة بني ساعدة ن وقسم آخر كان أوعى من سلفه في تشخيص أن أهل الحل والعقد يحتاجون في انتخابهم إلى مرجعة محددة فقال بشورى كشورى عمر فتخبط بما حاول أن يتملص منه فمن أين أتى عمر بالشرعية، ولهذا اضطر قسم من هؤلاء للهروب من هذا المأزق إلى القول بإمكان العهد من الخليفة السابق كما حصل بين الأول والثاني ولكن هذا القول في الواقع ليس بأحسن من صاحبه في عدم تخلصه من المشكلة الأصل، حيث يبقى التساؤل عن شرعية الأول مطروحا دون جواب حقيق، وهذه الصور أفرزت بدورها اتجاها جديا لعله اقترب من حل المأزق حينما قال بضرورة النص الشرعي على ذلك وهو اتجاه ابن حزم وابن حجر وأضرابهما، والكنه لكان أسيرا لإفرازات السقيفة، فرقع في فخ الموضوعات الروائية التي كبت على رسول الله (ص) في ما قوله فاقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، أو ما قوله لامرأة: إذا جئت فلم تجديني فأت أبا بكر الخليفة من بعدي [الصواعق المحرقة: ٢٠] من دون أن يعوا أن نصوصا كهذه لو كان لها وجود لما رأينا كل هذا الصخب الذي ملأ أرجاء السقيفة، ولما رأينا الأول يحاول الاستقالة مرة بعد أخرى، علاوة على كون هذه الروايات مما اتفق الجانبان على تضعيفه، وفي قبال هذه الاتجاهات نجد أن قوى المعارضة السياسية من غير العلويين حاولت التنظير لذلك بعيدا منها الأفق لتقول على لسان التفتازاني وتنعقد الإمامة بالقهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة أو استخلاف، وقهر الناس بشوكته انعقدت الخلافة له [شرح المقاصد ٥: ٢٧٢] وقد تمادى الباجوري فقال بانعقادها باستيلاء شخص مسلم ذي شوكة، مغلب على الإمامة، ولو غير أهلها كصبي وامرأة وفاسق وجاهل [حاشية الباجوري على شرح الغزي ٢: ٢٥٩].
ولحظ على جميع هذه الاتجاهات أنها قائمة على صورة من صور العقد الاجتماعي سواء أكان هذه العقد قائما بصورة من صور الرغبة الاجتماعية كما في صورة أهل الحل والعقد أو العهد ممن سبق، أو قائما بالإكراه كما في الحالة الأخير، والعجي أنها مع قبولها بنظرية القبول الاجتماعي النسبي كما في السقيفة أو في شورى عمر، فإنها لم تنظر للإجماع الاجتماعي في بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم تنظر له لتفضح معه صورة الوجه السياسي الذي يحرك مثل هؤلاء.
وفي مقابل ذلك جميعا نجد أن الشرعية في كل الأوصاف التي أطلقها القرآن لا نجد أي دخالة للمجتمع في تشخيصها وتشخيص أصولها، فلو قلنا أنها مأخوذة من ولاية الله فسنجد أن المصداق الاجتماعي لهذه الولاية ينبغي أن يشخصه صاحب الولاية نفسه وحينما رأيناه شخص ذلك لم يجعل للمجتمع أي نصيب من ذلك كما في قوله تعالى ك (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [المائدة: 55] وحتى لو قلنا بخلاف قول أهل البيت (عليهم السلام) باختصاص الآية بأمير المؤمنين (عليه السلام) فلا نجد في تعبير الذين آمنوا غلا التخصيص الرباني لهذا التعبير وليس الصورة الاجتماعية لهم، خصوصا إذا ما لاحظنا لأن تعابير الأوصاف الواردة خلفه تتعلق كلها بالله سبحانه مما يعني أنه هو وحده الذي يعرف حقيقة هذه الأوصاف ولا يمكن القول بأن المقصود هو صورة المتدين لأن ذلك يبقينا في نفس المشكل الأول فماذا لو كان هنا ك ألف شخص من هؤلاء؟ فهل نعطيهم هذه الولاية؟ مما يبينا في دائرة ضرورة النص.
ونفس هذا الأمر سنلحظ بقاءه لو أخذنا تعلق الشرعية بمفهوم الطاعة، حيث تربنا أن الله لم يطل الطاعة في الهواء أو في الفراغ وإنما قيدها بدقة ضمن ذات الدوائر التي وجدناها في الآية السالفة كما في قوله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء: 59].
ولو راجعنا الشيعة لمفهوم الحاكمية (إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين) [الأنعام: 57] أو قوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 145 146 147 ... » »»
الفهرست