صوف مشتملا بشملة وفي رجليه نعلان، وقد جلس منفردا، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم، والله لأمضين إليه ولأوبخنه، فدنوت منه، فلما رآني مقبلا قال: (يا شقيق * (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) * (1) وتركني ومضى، فقلت في نفسي: إن هذا لأمر عظيم قد تكلم على ما في نفسي ونطق باسمي، ما هذا إلا عبد صالح، لألحقنه ولأسألنه أن يحللني، فأسرعت في أثره فلم ألحقه، وغاب عن عيني، فلما نزلنا واقصة إذا به يصلي وأعضاءه تضطرب، ودموعه تجري فقلت: هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله، فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه، فلما رآني مقبلا قال: (يا شقيق اقرأ * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * (2) ثم تركني ومضى، فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال، قد تكلم على سري مرتين، فلما نزلنا إلى منى إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي، فسقطت الركوة من يده إلى البئر وأنا أنظر إليه، فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول:
(أنت ربي إذا ظمئت من الماء * وقوتي إذا أردت الطعاما اللهم أنت تعلم يا إلهي وسيدي ما لي سواها، فلا تعدمني إياها)، قال شقيق..: فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤه، فمد يده وأخذ الركوة وملأها ماء وتوضأ وصلى أربع ركعات ثم مال إلى كثيب من رمل، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب، فأقبلت إليه وسلمت