الإيمان والكفر - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٨٨
ب - شكر المنعم واجب:
إن الإنسان في حياته غارق في النعم فهي تحيط به منذ نعومة أظفاره إلى أخريات حياته وهذا مما لا يمكن لأحد إنكاره.
ومن جانب آخر: أن العقل يستقل بلزوم شكر المنعم ولا يتحقق الشكر إلا بمعرفته. وعلى هذين الأمرين يجب البحث عن المنعم الذي غمر الإنسان بالنعم وأفاضها عليه، فالتعرف عليه من خلال البحث إجابة لهتاف العقل، ودعوته إلى شكر المنعم المتفرع على معرفته.
الثالث: لو كان الأساس لوجوب المعرفة هذين الأمرين: فيكون وجوبها عقليا لا سمعيا لما عرفت من أن استقلال العقل بدفع الضرر المحتمل أولا، يدفع الإنسان إلى البحث عن المعرفة والنظر، حتى يقف على صحة ما أخبر، ليقوم (إذا تبينت صحة الخبر) بالتكاليف ويدفع عن نفسه عادية الضرر، أو استقلاله بشكر المنعم يدفعه إلى معرفة المنعم ليقوم بشكره. كل ذلك يثبت مقالة العدلية من كون وجوب النظر، عقليا لا سمعيا.
الرابع: إذا كان الدافع إلى المعرفة والنظر هو العقل لأجل دفع الضرر، فلا شك أنه يدفعه لتحصيل العلم في ذلك المجال، وذلك لأن الاحتمال لا ينتفى إلا بتحصيل العلم بأحد طرفي القضية، كما أن الشكر الحقيقي لا يتحقق إلا بالمعرفة العلمية إذا كان متمكنا من تحصيل العلم.
أضف إلى ذلك أن معرفة الصانع وصفاته وأفعاله كمعرفة نبيه وسفيره من الأمور المهمة مما تبتني عليها كثير من الأصول الاعتقادية، والتشريعات في مجالات مختلفة، فهل يحسن في منطق العقل أن يبنى صرح الحياة عاجلا وآجلا على شفيرها أو على قاعدة متزلزلة؟ كلا.
فالعقل كما يحكم بلزوم المعرفة للأمرين الماضيين كذلك يحكم بلزوم
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»