والإجابة عن الاستدلال واضحة، لأن الجدل المنهي عنه، هو المجادلة لدحض الحق لا النظر لإثبات الحق قال سبحانه: * (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب) * (غافر - 5) وأما إذا كانت الغاية، إبطال الباطل، وإثبات الحق، فقد أمر به سبحانه وقال: * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * (النحل - 125) والنهي عن الخوض في القدر، لا يدل على النهي عن التفكر في خلق السماوات والأرض، وذلك لأن القدر أمر غيبي لا يفيد الخوض فيه شيئا كما قال الإمام علي - عليه السلام -: " طريق مظلم فلا تسلكوه، وبحر عميق فلا تلجوه، وسر الله فلا تتكلفوه (1) ".
وفي نفس الوقت أن الإمام خاض فيه لقلع الشبهة التي علقت ذهن الشيخ الذي سأله عنه عند منصرف الإمام من صفين (2).
وأما التمسك بقوله: " عليكم بدين العجائز " فهو مكذوب على لسان النبي، كيف يجوز للنبي أن ينهى الناس عن التفكر والاستدلال مع دعوته إليه في كتابه المنزل إليه قال سبحانه: * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) * (آل عمران - 191) وقال سبحانه: * (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى) * (الروم - 8).
روى أن عمر بن عبد الله المعتزلي قال: إن بين الكفر والإيمان منزلة بين المنزلتين، فقالت عجوز: قال الله تعالى: * (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) * فلم يجعل من عباده إلا الكافر والمؤمن، فسمع سفيان كلامها فقال:
عليكم بدين العجائز (3).