الإيمان والكفر - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٩٧
سبحانه فحاولوا إخضاع الآيات لنظريتهم وإليك نموذجا واحدا، يقول سبحانه:
* (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو على كل شئ وكيل * لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) * (1).
ومن المعلوم أن الإدراك مفهوم عام لا يتعين في البصري أو السمعي أو العقلي إلا بالإضافة إلى الحاسة التي يراد الإدراك بها، فالإدراك بالبصر يراد منه الرؤية بالعين، والإدراك بالسمع يراد منه السماع، هذا هو ظاهر الآية، وهي تنفي إمكان الإدراك بالبصر على الإطلاق.
ولما وقف الرازي على أن ظاهر الآية أو صريحها لا يوافق أصله الكلامي فقال: " إن أصحابنا (الأشاعرة) احتجوا بهذه الآية على أنه يجوز رؤيته والمؤمنون يرونه في الآخرة وذلك بوجوه:
1 - أن الآية في مقام المدح فلو لم يكن جائز الرؤية لما حصل التمدح بقوله: * (لا تدركه الأبصار) * ألا ترى أن المعدوم لا تصح رؤيته، والعلوم والقدرة والإرادة والروائح والطعوم لا تصح رؤية شئ منها ولا يمدح شئ منها في كونها " لا تدركه الأبصار " فثبت أن قوله: * (لا تدركه الأبصار) * يفيد المدح، إلا إذا صحت الرؤية.
والعجب غفلة الرازي عن أن المدح ليس بالجزء الأول فقط وهو لا تدركه الأبصار بل بمجموع الجزأين المذكورين في الآية كأنه سبحانه يقول: والله جلت عظمته يدرك أبصاركم، ولكن لا تدركه أبصاركم، فالمدح بمجموع القضيتين لا بالقضية الأولى.
2 - أن لفظ " الأبصار " صيغة جمع دخل عليها الألف واللام فهي تفيد الاستغراق بمعنى أنه لا يدركه جميع الأبصار وهذا لا ينافي أن يدركه بعض الأبصار.

1. الأنعام: 102 - 103.
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»