الإيمان والكفر - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٩٣
الإسلام قد طرحها مهذبة من الخرافات، ومما نسج حولها من الأوهام، ومن وقف على آراء اليهود والوثنيين في أمر الشفاعة يقف على أن الشفاعة الدارجة بينهم كانت مبنية على رجائهم لشفاعة أنبيائهم في حط الذنوب وغفران آثامهم، ولأجل هذا الاعتقاد كانوا يقترفون المعاصي ويرتكبون الذنوب، تعويلا على ذلك الرجاء، فالآيات النافية للشفاعة والمثبتة لها تحت شرائط خاصة كلها راجعة إلى الشفاعة بهذا المعنى فلو نفيت فالمنفي هو هذا المعنى، ولو قبلت والمقبول هو هذا المعنى، وقد أوضحنا في محله (1) أن الآيات الواردة في مجال الشفاعة على سبعة أنواع لا يصح تفسيرها إلا بتفسير بعضها ببعض، وتمييز القسم المردود منها عن المقبول.
ومع ذلك نرى أن المعتزلة يخصون آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة ويرتكبون التأويل في موردها، وما هذا إلا للموقف الذي اتخذوه في حق العصاة ومقترفي الذنوب، في أبحاثهم الكلامية، فقالوا بخلود أهل العصيان في النار إذا ماتوا بلا توبة.
قال القاضي عبد الجبار: إن شفاعة الفساق الذين ماتوا على الفسوق ولم يتوبوا، يتنزل منزلة الشفاعة لمن قتل ولد الغير، وترصد للآخر حتى يقتله فكما أن ذلك يقبح، فكذلك هاهنا (2).
والذي دفع القاضي إلى تصوير الشفاعة في حق المذنب بما جاء في المثال، هو اعتقاده الراسخ بالأصل الكلامي الذي يعد أصلا من أصول منهج الاعتزال وفي الوقت نفسه يعرب عن غفلته عن شروط الشفاعة فإن بعض الذنوب الكبيرة تقطع العلائق الإيمانية بالله سبحانه كما تقطع الأواصر الروحية بالنبي الأكرم فأمثال هؤلاء - العصاة - محرومون من الشفاعة وقد وردت في

١. مفاهيم القرآن: ٤ / 177 - 199.
2. شرح الأصول الخمسة: 688.
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»