والنزاهة ووحدة الرأي، مما لم يتوفر كما سنفصل بعد حين في كلامنا عن مجتمع الصحابة، فضلا عن أنه يبقي احتمالات التنازع قائمة، كما حصل تاريخا، إذ كما قال الشهرستاني " ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية كما سل على الإمامة "، كما تجعل الإمامة مسرحا لتصارع الطامعين وذوي المآرب، ولا يحول أي درجة من نضج الأمة دون تسلل المنافقين والذين أبطنوا المكيدة إلى قمة السلطة، وهكذا تقع الأمة من خلال الفريضة الإلهية في عكس ما يراد منها، إذ أن الفريضة على هذا النحو المزعوم وبمعزل عن ما ينشأ عن قصور لدى الأمة، قابلة بذاتها إلى أن توقع في مثل المحاذير التي نوهنا بها قبل حين، ومما يعجب له المرء حين يراجع أحكام الفقهاء لا يجد فيها معايير تقي الأمة من الوقوع في مثل ما ذكرنا من محاذير، ولقد ألمحنا سابقا إلى أن النصوص الناهية عن طاعة أصناف من الناس كالغافل القلب والظالم وسواه والتي قد أوضحنا علاقتها بالنص الذي نحن بصدده، لم يفهموا منها حرمة ولاية هؤلاء الأصناف من الناس، وعلى العكس نجد أنهم قد توسلوا في تصحيح عمل الصحابة بالخضوع إلى الفساق والظالمين كثيرا مما قد دس في السنة مما يأمر بطاعة الفاسق والظالم، رغم مخالفته لصريح النصوص القرآنية والنبوية، ولقد أوضحنا سابقا دور موقع مثل هذه النصوص إن صح بعضها، على أن كثيرا من النصوص النبوية المتفق على صحتها لدى كافة المسلمين قد أهملت دلالاتها الواضحة التي تنسجم مع مضمون هذا النص القرآني وغيره من القرآن الكريم، والتي كلها تخبر أن الله تعالى قد جعل على الأمة ولاية هادية لا تخرج من هدى ولا تدخل في ضلال.
(١٠٤)