الإمام علي (ع) - الدكتور جواد جعفر الخليلي - الصفحة ٩٣
عظمة الغدير في الإسلامية والإنسانية:
لا يجد التاريخ منذ بدأ حتى اليوم دعوة إنسانية جامعة تقوم على مثل هذه الأسس الحكيمة القوية المتماسكة التي جاءت على يد نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا إنسانا تكمل فيه القوى الإنسانية من عقل وجسم وصبر وإرادة وإخلاص وفضيلة، نشأ في بيئة تناهت في الانحطاط والأخلاق والجهل والفقر والسعادات والأخلاق ضنت عليها الطبيعة بكل شئ (أناس كما وصفتهم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء في خطبتها العصماء فأبانت فيها ما كانوا فيه من الانحطاط والانهيار الأخلاقي والفاقة وكيف تتقاذفهم الأهواء كما قالت سيدة النساء فاطمة (1).

(١) من خطبة الزهراء قولها في أبيها: " ثم قبضه إليه قبض رأفة واختيار ورغبة وإيثار فمحمد عن تعب هذا الدار في راحة. قد حف بالملائكة الأبرار ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار ".
وخطابها للمجتمع الإسلامي " وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطأ الأقدام. تشربون الطرق وتقتاتون الورق، أذلة خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد التي واللتيا وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن للشيطان، وفغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا ف ذات الله مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد أولياء الله مشمرا ناصحا مجدا كادحا وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون.
وخطابها لأبي بكر يوم سلب منها فدك " يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا فريا، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول " وورث سليمان داود وماثل فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب، وقال: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي؟ أم هل تقولون: أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي. وهي بعد هذا تخاطب الأنصار.
" يا معشر البقية، وأعضاء الملة، وحفظة الإسلام، ما هذه الفترة عن نصرتي، والونية عن معونتي والغميزة في حقي، والسنة عن ظلامتي، أما كان رسول الله يقول: المرء يحفظ في ولده سرعان ما أحدثتم وعجلان ما أتيتم الآن مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمتم دينه، ها أن موته لعمري خطب جلل، استوسع وهنه، واستبهم فتقه وفقد راتقه، واظلمت الأرض له، وخشعت الجبال وأكمدت الآمال، أضيع بعده الحريم، وهتكت الحرمة، وأذيلت المصونة، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته وأنبأكم بها قبل وفاته (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) أيها بنى قبله اهتضم تراث أبي بمرأى ومسمع، تبلغكم الدعوة، ويشملكم الصوت وفيكم العدة والعدد ولكم الدار والجنن وأنتم نخبة الله التي انتخب وخبرته التي اختار الخ.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»