الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ٥٤
ولن يتأتى ذلك إذ أبيد العلماء وانقرضت الكتب. لذلك اتخذ الطوسي من مرصد مراغة وسيلة لجمع الجم الغفير من العلماء وحمايتهم من القتل كما انصرف إلى استخلاص الكتب وجمعها وحفظها فأدت النتيجة إلى أن ينقلب الأمر ويعود المغول بعد ذلك مسلمين منافحين عن الإسلام (1).
ويقول الدكتور مصطفى جواد: التحق نصير الدين الطوسي بهولاكو لينجي نفسه من الهلاك وليأتي بمعجزة القرن السابع: وهي نشر العلوم في الشرق وتأسيس أول أكاديمية علمية بالمعنى العلمي الحديث الذي تدل عليه كلمة academie وإقامة أعظم رصد عرف في الشرق وإنشاء أول جامعة حقيقة من النوع العروف اليوم ب‍ (2) universite.

(1) يصف الدكتور جعفر خصباك حال المسلمين إبان الغزو المغولي بقوله: كانت غالبية المسلمين في هذا الحين تنقصهم القيم الروحية التي نسميها الآن (الايديولوجية) التي تشد بعضهم إلى بعض. وقد كان الإسلام وهو أهم رابطة تجمع سكان المنطقة وتوحد فيما بينهم قد أضحى آنذاك مجرد ثقافة وأسلوب في الحياة وقد فقد قوته الدافعة القديمة وغلبت على أكثر المسلمين روحية الاستسلام للقضاء والقدر (انتهى).
ونقول: هذا ما أدركه نصير الدين الطوسي يومذاك فخطط لتحويل المسلمين من حال إلى حال، ونجح فيما خطط له.
(2) ينقل الدكتور سليمان دنيا رئيس قسم العقيدة والفلسفة في جامع الأزهر عن كتاب (المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي) تأليف جمال الدين يوسف الأتابكي الظاهري المخطوط بمكتبة الأزهر، قسم التاريخ تحت رقم 617 خصوصي، 68651 عمومي، أن هولاكو أمر بقتل نصير الدين الطوسي فجرى حوار بينهما قال فيه نصير الدين: في الليلة الفلانية يخسف القمر.
قال هولاكو: احسبوه إن صدق أطلقناه وأحسنا إليه، وإن كذب قتلناه، فحبس إلى الليلة المذكورة، فخسف القمر خسفا بالغا، فاتفق أن هولاكو تلك الليلة غلب عليه السكر فنام.
فقيل لنصير الدين ذلك، فقال نصير الدين: إن لم ير القمر بعينه وإلا فأغدو مقتولا لا محالة، وفكر ساعة، ثم قال للمغول: دقوا على الطاسات، وإلا يذهب قمركم إلى يوم القيامة، فشرع كل واحد يدق على طاسة، فعظمت الغوغاء، فانتبه هولاكو بهذه الحيلة ورأى القمر قد خسف، فصدقه وآمن به، وكان ذلك سببا لاتصاله بهولاكو ثم يقول مؤلف الكتاب: ومن ثم صار الدق على النحاس إذا خسف القمر، ولم يكن له أسباب غير ما ذكرنا.
ثم يقول: قال الشيخ شمس الدين، قال أحمد بن حسن الحكيم صاحبنا: سافرت إلى مراغة وتفرجت في هذا الرصد. ثم يذكر بعض من رآهم هناك من العلماء من أمثال:
علي بن الخواجا وشمس الدين محمد بن المؤيد العرضي وشمس الدين السرواني والشيخ كمال الدين الايكي وحسام الدين الشامي... ورأيت من آلات الرصد شيئا كثيرا. ومنها ذات الحلق، وهي خمس دوائر متخذة من نحاس:
الأولى: دائرة نصف الليل، وهي مركوزة على الأرض.
ودائرة منطقة البروج ودائرة العروض.
ودائرة الميل.
ورأيت الدائرة الشمسية، يعرف بها سمت الكواكب، واسطرلابا يكون سعة قطره ذراعا، واسطرلابات كثيرة.
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 59 60 ... » »»