نقوله إن كل التحالفات لم تغن المتحالفين شيئا أمام تعاظم قوة المماليك وتشددهم. وإن حال الصليبية أمام رغبة آباقا كانت كحال الشاعر القائل: (وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل).
وبالرغم من أن المغول وحليفهم لاوون الثالث ومن معه من الأرمن والكرج والروم قد استطاعوا سنة 1281 م صعود وادي العاصي والتوقف أمام حمص بجيش قوي فإن الهزيمة حلت بالمتحالفين وانتصر المماليك بقيادة قلاوون. مما حمل آباقا على ترك بلاد الشام والتوجه إلى بغداد ثم إلى همذان. وكان آخر عهده ببلاد الشام إذ توفي سنة 1282 م.
وهكذا غلبت الأقدار كل تقدير فلا المغول استطاعوا الوصول إلى شواطئ البحر المتوسط وانتزاع بلاد الشام من الصليبيين، ولا استفادوا بعد ذلك من تحالفهم معهم. ولا الصليبيون أنقذهم تحالفهم مع المغول من المصير المحتوم الذي لاقوه على يد خليل بن قلاوون (1265 - 1294 م).
على أن العجب لا ينقضي من أولئك الذين كابدوا من المغول ما كابدوا لا سيما الكرج. وهم من انقضت عليهم جيوش المغول الجنگيزية وأذاقتهم ما أذاقتهم من الفتك المريع حيت شارفت تفليس متجهة إليهم فتلقوها بكل قواهم فكانت القاضية عليهم إذ لم يثبتوا لها وانهزموا فتتبعتهم السيوف قتلا ذريعا واستئصالا فظيعا.
الكرج هؤلاء ومثلهم الأرمن أغضوا على مذابح المغول فيهم وتجاهلوا دماءهم المطلولة على سفوح (القبق) وثنايا القوقاز، وكرامتهم المداسة بالنعال الجنگيزية وشرفهم المهدور بالأقدام المغولية.
أغضوا على كل ذلك ومشوا تحت ألوية (آباقا) الجنگيزي المغولي، هذه الألوية التي جللتهم أمس بعار الهزيمة وذل الانكسار، وروت الأرض بنجيعهم ألقاني، وملأت السهول بجثثهم المهشمة. مشوا اليوم تحتها مزهوين لأنهم يحلمون بتضعضع الإسلام وتشتت المسلمين.