وإذا كان هذا الطريق هو طريق المغول، فإنه كان أيضا طريق العلماء والشعراء، فمن هنا مر الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، ومر ابن عساكر وعبد الله بن خليفة الطائي، كما مر من مر من أمثال هؤلاء علماء وشعراء.
وهكذا كنا نسير وفي الذهن مرئيات شتى من الأمس الذي انطوى في هذه الأرض بما فيه من صليل السيوف وصرير الأقلام، ومن جلجلة الوغى وترانيم الشعر، من رهج القتال، وأسمار البحث.
فما أروع ما تبعث في النفس هذه السهول من أسى طورا ومن هوى طورا آخر، وما أشجى ما يثير نسيمها هذا الذي يتهاوى على وجناتنا وجباهنا، ما أشجى ما يثير من تصوير الدماء المراقة. وما أحلى ما يهيج من تناجي العقول الخلاقة.
إذا كنت أنا مولعا بالطبيعة الجميلة، مستغرقا في مفاتنها المعشوشبة الخضراء على بسيط الأرض حينا، والمزهرة المورقة على غصون الشجر حينا آخر، إذا كنت كذلك فإن هنا في هذه السهول المديدة ما بعد قزوين كل ما أبغيه من ذلك، فحقول القمح تتابع إلى ما لا نهاية له، وزهور اللوز والفستق تماشينا إلى كل وجهة.
ولكنني لأول مرة لا أحس لهذا، بتوقد العاطفة وانفتاح الشعور، فأنا الآن متجه من مدينة قزوين إلى مدينة أبهر، في الطريق نفسه الذي شهد فاجعة من فجائع المغول التي حلت على أيديهم بالشعوب حين مروا بها، والتي تزيد على سفك الدماء، تزيد بالغدر.
لقد قبل أمير الإسماعيليين النزاريين الأرض بين يدي هولاكو مستسلما خاضعا، وعلى غير عادة هولاكو فيمن كان يظفر بهم متمردين أو مستسلمين، عادة إهانتهم ثم قتلهم، على غير عادته تلك، أكرم خورشاه، وزاد على ذلك بأن جعله صهرا للمغول وأحيا له عرسا من أعراسهم.
فعل ذلك لأنه كان محتاجا إليه، فالقلاع الإسماعيلية الأخرى التي ناهز عددها المئة، لم يستسلم أكثرها بعد، كما أن هولاكو كان يتطلع إلى حصون