وهنا تتطاول أمامك صورة الطاغية السفاك مماشية لصورة العلم الزاهد، مطلتين معا من أقاصي الماضي البعيد، فيشجيك هذا الماضي ويبهجك في آن.
هنا تتيه بين كل ذلك وتتدافع في ذهنك الأفراح والأتراح فلا ترى لك مخرجا إلا الانغمار فيها جميعا تطفو هنا وترسب هناك، وتتأوه تارة وتبتسم تارة.
يا لها من أرض عجيبة هذه الأرض التي شددت إليها الرحال مطوحا فيها بنفسي المجهدة لأبصر على الأرض ما روته لي صفحات الكتب من أحداث.
المغول! ويا لهول ما فعل المغول بأوطاننا! أين كان طريقهم ومن أين عبروا إلينا؟. كيف هي المرابع التي استقروا فيها بعد ذلك مسلمين، فكان منهم الدولة الإيلخانية التي تصارع فيها الإسلام والوثنية فانتصر الإسلام.
وتلك هي أعجوبة التاريخ، فالوثنيون الذين قادهم أولا جنگيز، ثم حفيده هولاكو للقضاء على الإسلام في مواطنه عادوا مسلمين وقامت منهم الدولة الإيلخانية في هذه البقاع التي اجتازها الآن كما قامت لهم دولة أخرى في الهند طبعت الهند بطابعها الذي لغا يزال ماثلا حتى اليوم.
أنا الآن في مدينة قزوين، وصور التاريخ المغولي بكلا وجهيه: الوثني والإسلامي تلتمع في ذهني وتمر تباعا واحدة وراء أخرى.
كانت أربع صور لأربع رجال هي الأكثر مثولا أمامي هنا في مدينة قزوين:
صورة (هولاكو) السفاح الغدار وصورة أحد ضحاياه (خورشاه) أمير الإسماعيليين النزاريين. وصورة غازان أول ملك مغولي أسلم فأسلمت الدولة بإسلامه، وصورة أخيه الجايتو محمد خدابنده الذي تابع المسيرة الإسلامية، والصورة الأخرى الماثلة كل المثول هي صورة مدينة (السلطانية) التي شرع في بنائها غازان ثم أنهاها أخوه خدابنده).
يوم الأحد غرة شهر ذي القعدة سنة 654 ه كان خورشاه ينزل من قلعة (ميمون دز) نزوله الأخير ويودع تلك الأرض التي ظلت ما يقرب من قرنين مستقرا للدولة الإسماعيلية النزارية، منذ نزلها حسن الصباح سنة 477 ه حتى خرج منها