الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ١٠٩
(مجموعة الوثائق الفاطمية) ينتقل إلى مواضيع أخرى تتضمن وثائق لا علاقة لها بالصراع العقيدي بين الفاطميين وبين الإسماعيليين النزاريين. وهنا لا يجوز أن يفوتنا ما في هذه الوثائق من معلومات عن أساليب الصراع الفكري في ذلك العصر وعن وسائل المتصارعين، وأداة ما يمكن أن نسميه " الإعلام " الحكومي، وعدم لجوء هذا الإعلام إلى وسائل القهر، بل اعتماده وسائل الإقناع مع ما في هذه الوسائل من كلمات قاسية. فهو لا يلغي حق خصومه في مناقشة عقيدته، ولا يفرض عليهم رأيه بالقوة المادية من قتل وسجن وتعذيب وإرهاب، بل يترك لهم حرية الرد عليه والرد على الرد. وهذا مما تميز به الحكم الفاطمي.
ففي حين كان لا يجرؤ إنسان في كل عهود الحكام السابقين للفاطميين واللاحقين لهم على أن يتفوه بما يناقض كلمة من كلماتهم أو أي رأي من آرائهم، فإذا فعل، كان القتل مصيره المحتوم - نرى هنا كيف عامل الفاطميون مخالفيهم ومناقضيهم في أساس عقيدتهم، وكيف ردوا على الكلمة بكلمة مثلها لا بالسيف وكيف قارعوا الحجة بالحجة لا بالإرهاب والموت.
والمصدر الثاني هو ما كتبه الكاتب الغربي (بول آمير) في كتابه (سيد الموت) وهو الكتاب الذي ترجمه إلى اللغة الفارسية ذبيح الله منصوري، ونقل لنا مضمون ما جاء فيه عن هذا الموضوع بعض الأصحاب المجيدين للفارسية.
ويتلخص ذلك بأن الصفة التي أطلقت على النزاريين: (الحشاشون) هي في الأصل صفة: (الحشائشيون). وهي الصفة التي كانت تطلق في تلك العهود على من يتعاطون جمع الحشائش البرية التي تستعمل هي نفسها أدوية، أو تستقطر منها الأدوية، وقد كان يختص بذلك أفراد، فيهم من هم الأطباء أو الصيادلة، كان يطلق على الواحد منهم لقب: (الحشائشي) حتى لقد أصبح ذلك مهنة من المهن المشتهرة، وكان لها أسواق خاصة بها وتجار يتعاطون بيع الحشائش الطبية وشراءها (1).

(1) أدركنا في دمشق الأيام التي كان فيها كل دار تقريبا تربي خروفا وتعلفه ليكبر ويسمن. وكان يمر على تلك الدور بائع الحشيش الذي يعلف به الخروف فيطرق الباب ويصيح معلنا عن نفسه: (الحشاش). وكان الصغار والكبار يلقبونه ب‍ (الحشاش). وتجئ كلمة أخرى عن هذا الموضوع في الآتي من القول.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»