أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٧٠٠
رأيت نورا منعني من رؤيته، لا أنه تعالى نور، وأنه لذلك لا يرى، وهذا يتلاقى ويتفق مع قوله: " حجابه نور " ولذلك جعلنا أحاديث النور شاهدا واحدا في موضوعنا، وهي تدل على عدم رؤية ذات الله عز وجل وامتناعها (1).
السادس: إن القائلين بالرؤية على فرقتين: فرقة تعتمد على الأدلة العقلية دون السمعية، وفرقة أخرى على العكس.
فمن الأولى سيف الدين الآمدي (551 - 631 ه‍) يقول: لسنا نعتمد في هذه المسألة على غير المسلك العقلي، إذ ما سواه لا يخرج عن الظواهر السمعية، وهي مما يتقاصر عن إفادة القطع واليقين، فلا يذكر إلا على سبيل التقريب (2).
ومن الثانية الرازي في غير واحد من كتبه فقال: إن العمدة في جواز الرؤية ووقوعها هو السمع، وعليه الشهرستاني في نهاية الإقدام (3).
والحق أن من حاول إثبات الرؤية بالدليل العقلي فقد حرم عن نيل مرامه، فإن الأدلة العقلية التي أقامتها الأشاعرة في غاية الوهن، فإنهم استدلوا على الجواز بوجهين: أحدهما يرجع إلى الجانب السلبي، وأنه لا يترتب على القول بالرؤية شئ محال، والآخر يرجع إلى الجانب الإيجابي وهو أن مصحح الرؤية في الأشياء هو الوجود، وهو مشترك بين الخالق والمخلوق (4).
أظن أن كل من له أدنى معرفة بالمسائل العقلية يدرك ضعف الاستدلال، إذ كيف لا يترتب على الرؤية بالعين تشبيه وتجسيم، مع أن الرؤية بالمعنى الحقيقي لا تنفك عن الجهة للمرئي، مضافا إلى أن واقع الرؤية عبارة عن انعكاس الأشعة

(1) تفسير المنار 9: 190.
(2) الآمدي، غاية المرام في علم الكلام: 174.
(3) الرازي، معالم الدين: 67، والأربعون: 198، والمحصل: 138، الشهرستاني، نهاية الإقدام: 369.
(4) الإمام الأشعري، اللمع: 61 - 62.
(٧٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 695 696 697 698 699 700 701 702 703 704 705 ... » »»