أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٦٥٦
وصف السؤال بالسفاهة، فلم يبق هناك إلا احتمال آخر، وهو أنه بعدما عاد قومه إلى الحياة أصروا على موسى وألحوا عليه أن يسأل الرؤية لنفسه لا لهم، حتى تحل رؤيته لله مكان رؤيتهم، فيؤمنوا به بعد إخباره بالرؤية (1)، وهذا هو المعقول والمرتقب من قوم موسى الذين عرفوا بالعناد واللجاج، وبما أن موسى لم يقدم على السؤال إلا بإصرار منهم لكي يسكتهم، لذلك لم يتوجه إلى الكليم أي تبعة ولا مؤاخذة، بل خوطب بقوله: {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} (2).
وللإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) هنا كلام حول سؤال موسى:
قال علي بن محمد بن الجهم: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى (عليهما السلام)، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: أن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى، فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له: فما معنى قول الله عز وجل: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني} كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) لا يعلم أن الله - تعالى ذكره - لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟
فقال الرضا (عليه السلام): " إن كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) علم أن الله تعالى عن أن يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا، رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، وكان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفا، ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد

(١) أو لتستمعوا إلى النص باستحالة ذلك من عند الله كما سيوافيك في كلام الزمخشري.
(٢) الأعراف: ١٤٣.
(٦٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 651 652 653 654 655 656 657 658 659 660 661 ... » »»