حسبوا أن التأبيد يلازم النفي والمعدوم المطلق، فناقشوا في الآيات الماضية التي لم يكن النفي فيها نفيا مطلقا، ولو أنهم وقفوا على ما ذكرنا من الأمرين لسكتوا عن هذه الاعتراضات.
وبما أنه سبحانه لم يتخذ لنفي رؤيته ظرفا خاصا، فسيكون مدلوله عدم تحقق الرؤية أبدا لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة.
والحاصل: أن الآية صريحة في عدم احتمال الطبيعة البشرية لذلك الأمر الجلل، ولذلك أمره أن ينظر إلى الجبل عند تجليه، فلما اندك الجبل خر موسى مغشيا عليه من الذعر، ولو كان عدم الرؤية مختصا بالحياة الدنيا لما احتاج إلى هذا التفصيل، بل كان في وسعه سبحانه أن يقول: لا تراني في الدنيا ولكن تراني في الآخرة، فاصبر حتى يأتيك وقته، والإنسان مهما بلغ كمالا في الآخرة فهو لا يخرج عن طبيعته التي خلق عليها، وقد بين سبحانه أنه خلق ضعيفا.
2 - تعليق الرؤية على أمر غير واقع:
علق سبحانه الرؤية على استقرار الجبل وبقائه على الحالة التي كان عليها عند التجلي، وعدم تحوله إلى ذرات ترابية صغار بعده، والمفروض أنه لم يبق على حالته السابقة، وبطلت هويته، وصارت ترابا مدكوكا، فإذا انتفى المعلق عليه (بقاء الجبل على حالته) ينتفي المعلق، وهذا النوع من التعليق في كلامهم، طريقة معروفة حيث يعلقون وجود الشئ على ما يعلم عدم وقوعه وتحققه، والله سبحانه بما أنه يعلم أن الجبل لا يستقر في مكانه - بعد التجلي - فعلق الرؤية على استقراره، لكي يستدل بانتفائه على انتفائه، قال سبحانه: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} (1).