الأولى حتى يعد التمني مناقضا للتأبيد.
ومن ذلك يظهر وهن كلام آخر وهو: أنه ربما يقال: إن " لن " لا تدل على الدوام والاستمرار بشهادة قوله: {إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} (1) إذ لو كانت {لن} تفيد تأبيد النفي لوقع التعارض بينها وبين كلمة {اليوم} لأن اليوم محدد معين، وتأبيد النفي غير محدد ولا معين، ومثله قوله سبحانه على لسان ولد يعقوب: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي} (2) حيث حدد بقاءه في الأرض بصدور الإذن من أبيه (3).
وجه الوهن: أن التأبيد في كلام النحاة ليس مساويا للمعدوم المطلق، بل المقصود هو النفي القاطع الذي لا يشق، والنفي القاطع الذي لا يكسر ولا يشق على قسمين:
تارة يكون الكلام غير محدد بظرف خاص ولا تدل عليه قرينة حالية ولا مقالية فعندئذ يساوق التأبيد المعدوم المطلق.
وأخرى يكون الكلام محددا بزمان حسب القرائن اللفظية والمثالية، فيكون التأبيد محددا بهذا الظرف أيضا، ومعنى قول مريم: {فلن أكلم اليوم إنسيا} (4) هو النفي القاطع في هذا الإطار، ولا ينافي تكلمها بعد هذا اليوم.
والحاصل: أن ما أثير من الإشكال في المقام ناشئ من عدم الإمعان فيما ذكرنا من الأمرين، فتارة حسبوا أن المراد من التأبيد هو الاستحالة فأوردوا بأنه ربما يكون المدخول أمرا ممكنا كما في قوله: {فقل لن تخرجوا معي أبدا} (5)، وأخرى