أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٦٤٦
نذكر أمرين ثم نعرض المناقشة عليهما:
1 - إن المراد من التأبيد ليس كون المنفي ممتنعا بالذات، بل كونه غير واقع، وكم فرق بين نفي الوقوع ونفي الإمكان، نعم ربما يكون عدم الوقوع مستندا إلى الاستحالة الذاتية.
2 - إن المراد من التأبيد هو النفي القاطع، وهذا قد يكون غير محدد بشئ وربما يكون محددا بظرف خاص، فيكون معنى التأبيد بقاء النفي بحاله ما دام الظرف باقيا.
إذا عرفت الأمرين تقف على وهن ما نقله الرازي عن الواحدي من أنه قال:
ما نقل عن أهل اللغة أن كلمة " لن " للتأبيد دعوى باطلة، والدليل على فساده قوله تعالى في حق اليهود: {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين} (1) قال: وذلك لأنهم يتمنون الموت يوم القيامة بعد دخولهم النار، قال سبحانه: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} (2) فإن المراد من {ليقض علينا} هو القضاء بالموت (3).
ووجه الضعف ما عرفت من أن التأبيد على قسمين: غير محدد، ومحدد بإطار خاص، ومن المعلوم أن قوله سبحانه: {ولن يتمنوه} ناظر إلى التأبيد في الإطار الذي اتخذه المتكلم ظرفا لكلامه وهو الحياة الدنيا، فالمجرمون ما داموا في الحياة الدنيا لا يتمنون الموت أبدا، لعلمهم بأن الله سبحانه بعد موتهم يقدمهم للحساب والجزاء، ولأجل ذلك لا يتمنونه أبدا قط.
وأما تمنيهم الموت بعد ورودهم العذاب الأليم فليس داخلا في مفهوم الآية

(١) البقرة: ٩٥.
(٢) الزخرف: ٧٧.
(3) الرازي، مفاتيح الغيب 14: 227.
(٦٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 641 642 643 644 645 646 647 648 649 650 651 ... » »»