المرحلة الأولى: في بيان مفهوم الدرك لغة:
الدرك في اللغة اللحوق والوصول وليس بمعنى الرؤية، ولو أريد منه الرؤية فإنما هو باعتبار قرينية المتعلق.
قال ابن فارس: الدرك له أصل واحد (أي معنى واحد) وهو لحوق الشئ بالشئ ووصوله إليه، يقال: أدركت الشئ أدركه إدراكا، ويقال: أدرك الغلام والجارية إذا بلغا، وتدارك القوم: لحق آخرهم أولهم، فأما قوله تعالى: {بل إدارك علمهم في الآخرة} (1) فهو من هذا، لأن علمهم أدركهم في الآخرة حين لم ينفعهم (2).
وقال ابن منظور مثله، وأضاف: ففي الحديث " أعوذ بك من درك الشقاء " أي لحوقه، يقال: مشيت حتى أدركته، وعشت حتى أدركته، وأدركته ببصري أي رأيته (3).
إذا كان الدرك بمعنى اللحوق والوصول فله مصاديق كثيرة، فالإدراك بالبصر التحاق من الرائي بالمرئي بالبصر، والإدراك بالمشي، كما في قول ابن منظور:
مشيت حتى أدركته، التحاق الماشي بالمتقدم بالمشي، وهكذا غيره.
فإذا قال سبحانه: {لا تدركه الأبصار} يتعين ذلك المعنى الكلي (اللحوق والوصول) بالرؤية، ويكون معنى الجملة أنه سبحانه تفرد بهذا الوصف وتعالى عن الرؤية دون غيره.
المرحلة الثانية: في بيان مفهوم الآيتين:
أنه سبحانه لما قال: {وهو على كل شئ وكيل} ربما يتبادر إلى بعض