أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٥٧٤
كتاب علي وإملاء رسول الله:
إن السؤال الأول يرجع إلى كتاب علي وماهيته؟ وهل هو أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي دونها الإمام دون غيره؟ وإليك التفصيل:
كانت لمدرسة أئمة أهل البيت عناية خاصة بضبط وتدوين كل ما أثر عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من قول وفعل، لأنه (صلى الله عليه وآله) لا يصدر في مجال التشريع والتعليم إلا عن الوحي قال سبحانه: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى} (1) وكان (صلى الله عليه وآله) على علم قاطع بأنه سوف ينتقل إلى بارئه، وأن الأمة الإسلامية سوف تحتاج إلى كلماته وأقواله، وأفعاله وأعماله ولا تبقى خالدة إلا بالضبط والتدوين.
إن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان وليد البيت النبوي وكان مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) منذ نعومة أظفاره إلى رحيل رسول الله عن الدنيا، وهو (عليه السلام) يصف حياته في صباه وما بعده ويقول: " ولقد كنت أتبعه (يعني: رسول الله) اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجتمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة " (2).
كان ربيبه علي (عليه السلام) يلازمه ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، في موطنه ومهجره، لم يفارقه في غزوة إلا غزوة تبوك، وقد أقامه رسول الله مقامه في المدينة ليكون عينا للمسلمين على المنافقين، وصاعقة على المتمردين إذا حاولوا المؤامرة، أو إيذاء من بقي من المسلمين من الشيوخ والأطفال، إلى أن دخل العام الحادي عشر للهجرة وقد قرب أجله وارتحاله (صلى الله عليه وآله) ومرض وكان علي هو الممرض له، وقبض ورأسه

(١) النجم: ٣ - 4.
(2) الشريف الرضي، نهج البلاغة، الخطبة: 192.
(٥٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 569 570 571 572 573 574 575 576 577 578 579 ... » »»