أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٥٣٦
ومحمد (صلى الله عليه وآله) مصدق لما بين يديه من الكتب وكتابه مهيمن عليه، كما قال سبحانه:
{وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة} (1)، {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه} (2).
وهذه النصوص كلها تعبر عن وحدة أصول الشرائع وجذورها ولبابها.
وعلى هذا فرسالة السماء إلى الأرض، رسالة واحدة في الحقيقة مقولة بالتشكيك، متكاملة عبر القرون جاء بها الرسل طوال الأجيال وكلهم يحملون إلى المجتمع البشري رسالة واحدة، لتصعد بهم إلى مدارج الكمال، وتهديهم إلى معالم الهداية ومكارم الأخلاق.
نعم كان البشر في بدايات حياتهم يعيشون في غاية البساطة والسذاجة، فما كانت لهم دولة تسوسهم، ولا مجتمع يخدمهم، ولا ذرائع تربطهم، وكانت أواصر الوحدة ووشائج الارتباط بينهم ضعيفة جدا، فلأجل ذاك القصور في العقل، وقلة التقدم، وضعف الرقي، كانت تعاليم أنبيائهم، والأحكام المشروعة لهم طفيفة في غاية البساطة، فلما أخذت الإنسانية بالتقدم والرقي، وكثرت المسائل يوما فيوما، اتسع نطاق الشريعة واكتملت الأحكام تلو هذه الأحوال والتطورات.
فهذه الشرائع (مع اختلافها في بعض الفروع والأحكام نظرا إلى الأحوال الأممية والشؤون الجغرافية) لا تختلف في أصولها ولبابها، بل كلها تهدف إلى أمر واحد، وتسوق المجتمع إلى هدف مفرد، والاختلاف إنما هو في الشريعة والمنهاج لا في المقاصد والغايات كما قال سبحانه: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو

(٥٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 ... » »»