ولقد كان الذي دعا عليا إلى السكوت والانحياز، هو مشاهدة ظاهرة الردة الطارئة على المجتمع الإسلامي عن طريق مسيلمة الكذاب، وطليحة بن خويلد الأفاك، وسجاح بنت الحرث الدجالة، وأتباعهم الرعاع الذين كانوا على الدين الفتي خطرا جديا كان من الممكن أن يؤدي إلى محق الإسلام وسحق المسلمين.
ويحدث عن هذه الحقيقة الإمام في رسالته التي أرسلها مع مالك الأشتر إلى أهل مصر، حيث يقول فيها: " فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم " (1).
رأي الإمام أن صيانة الإسلام ورد عادية الأعداء تتوقفان على المسالمة والموادعة، فألقى حبل الخلافة على غاربها، تقديما للأهم على المهم، وتبعته شيعته صابرين على مضض الحياة ومرها.
بقي الإمام منعزلا عن الحكم قرابة ربع قرن إلى أن قتل عثمان في عقر داره، وانثال الناس إلى دار علي من كل جانب مجتمعين حوله كربيضة الغنم، يطلبون منه القيام بالأمر وأخذ مقاليد الحكم، وفيهم شيعته المخلصون الأوفياء، فلم ير بدا من قبول دعوتهم لقيام الحجة بوجود الناصر (2).
ولما نكث الناكثون البيعة، وقادوا حبيسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) " عائشة " معهم إلى البصرة، ارتحل الإمام بأنصاره وشيعته إلى العراق إلا قليلا بقوا في الحجاز لقلع مادة الفساد قبل أن تستفحل، ولما قلع عين الفتنة، استوطن الإمام الكوفة، واستوطنها معه شيعته، وصارت الكوفة عاصمة التشيع، ومعقله، وفيها نما وأينع