أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣١٤
وأثمر ومنها انحدر إلى سائر البلدان، بعد ما كان الحجاز مهبط التشيع ومغرسه ومحتده. فكان حجازي المحتد والمغرس، عراقي النشوء والنمو، ولم يكن يوم ذاك يتظلل في ظلال التشيع إلا عربي صميم، من عدناني وقحطاني، ولم يكن بينهم فارسي ولا بربري الأصل ولا شعوبي العقيدة يمقت العرب.
وهكذا فإنا يمكننا القول بأن مهد التشيع الأول كان في أرض الحجاز الطيبة ومنها درج واشتد حتى تسامق وتطاول وأصبح له وجود في كل بقاع المعمورة.
ولا زال الشيعة يعيشون مع إخوانهم المسلمين في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وحضرموت، ونجران، وغيرها، كما توجد في أنحاء من أرض الحجاز الكثير من القبائل العربية الشيعية أمثال بني جهم، وبنو علي، وغيرهم.
وأما المنطقة الشرقية كالأحساء والقطيف والدمام، فأكثر سكانها من الشيعة.
التشيع عراقي النشوء والنمو:
قد عرفت أنه لما غادر الإمام المدينة المنورة متوجها إلى العراق واستوطن الكوفة هاجر كثير من شيعته معه واستوطنوا العراق، فصار ذلك أقوى سبب لنشوء التشيع ونموه في العراق، ولا سيما في الكوفة، فصارت معقل الشيعة، ولما قضى الإمام نحبه حاولت السلطة الأموية وعمالها استئصال التشيع منها بأبشع صورة مستخدمة في ذلك شتى الأساليب الإجرامية الرهيبة من دون أي وازع من ضمير.
وبالرغم من أن العراق وأخص منه الكوفة كان علوي النزعة هاشمي الولاء، إلا أن الحسين ابن الإمام علي (عليهما السلام) قتل بسيف الكوفيين، وسقط عطشان وحوله أجساد أبنائه وأبناء أخيه وأصحابه، إلا أن ذلك لا يدل على انسلاخهم عن التشيع، لأن الشيعة يوم ذاك كانوا بين مسجون في زنزانات الأمويين، أو مرعوب
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 ... » »»