أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣١٥
متخاذل فاقد للتصميم والحمية، أو منتظر لما تؤول إليه الأمور، أو ناصر التحق بالحسين في أحلك الظروف. هؤلاء هم الشيعة.
وأما الذين شاركوا في قتل الحسين فلم يكونوا من الشيعة أبدا، بل كانوا أتباع الأمويين والمنضوين تحت راياتهم. فلما قتل الحسين أثار قتله شجون الشيعة، وبقوا يتحينون الفرص للانقضاض على الحكم الأموي الفاسد وأتباعه، حتى تهيأت الفرصة عند خروج المختار من سجنه، فالتفوا حوله في ثورة كبيرة اقتلعت جذور الأمويين واقتصت من أعوانهم قتلة الحسين وأهل بيته وأصحابه.
وقد حاول الأمويون جعل العراق أمويا، وبذلوا جهودا حثيثة في سبيل هذا الأمر، إلا أن جهودهم ذهبت أدراج الرياح، وبقي العراق هاشميا وعلويا، حتى أن دعوة العباسيين نجحت في بداية الأمر في العراق في ظل طلب ثأر الحسين وأهل بيته، وكانت الدعوة للرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله).
لقد تبلور التشيع بعد حادثة الطف بقليل واتسع نطاقه وصار العراق مركزه، وكانت القوافل من أنحاء العراق وغيره من بلاد المسلمين تؤم قبر الحسين وأصحابه، فصارت مشاهد أهل البيت فيها معمورة بالزائرين والمجاورين، وكانت المآتم تقام في حواضرها تخليدا لذكرى استشهاد الإمام الحسين المفجع، واتخذت الشيعة قرب مشاهد أئمتهم، حوزات علمية ومعاهد فكرية، فازدهر العراق بعمالقة الفكر، وأساتذة الفقه، وأساطين الكلام، وأعان على نشر التشيع ونموه في العراق نشوء دول وإمارات للشيعة في القرن الرابع وما بعده.
يقول الشيخ المظفر (1): وساعد على نمو التشيع وانتشاره في العراق، أن تكونت من الشيعة فيه سلطنات دول وإمارات كسلطنة آل بويه، وإمارة بني مزيد في الحلة

(1) أنظر: محمد حسين المظفر، تاريخ الشيعة: 69 - 71 و 110 - 111.
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»