أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢٤٣
4 - متابعة العلوم والفنون.
وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمن الإنسان من الخوف تحررت في نفسه دوافع التضلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها (1).
فإن ما ذكره ذلك العالم الباحث من أسس الحضارة وأركانها يرجع إلى تفسير الحضارة بالمعنى الجامع الشامل للحضارة الإلهية والمادية، وأما بالنظر إلى الحضارة المرتكزة على الأسس الدينية فمن أهم أركانها توعية الإنسان في ظلال الاعتقاد بالله سبحانه واليوم الآخر، حتى يكون هو الدافع إلى العمل والالتزام بالسلوك الأخلاقي والديني، فالحضارة المنقطعة عن التوعية الدينية حضارة صناعية لا إنسانية، وتمدن مادي وليس بإلهي.
إن مؤسس الحضارة الإسلامية هو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقد جاء بسنن وقوانين دفعت البشرية إلى مكارم الأخلاق كما دفعتهم إلى متابعة العلوم والفنون، واستغلال الموارد الطبيعية، وتكوين مجتمع تسود فيه النظم الاجتماعية المستقيمة.
ولا يشك في ذلك من قرأ تاريخ الإسلام، وتاريخ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، خصوصا إذا قارن بين حياة البشرية بعد بزوغ شمس الإسلام بما قبلها.
ثم إن المسلمين شيدوا أركان الحضارة الإسلامية في ظل الخطوط التي رسمها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من خلال القرآن والسنة، فأصبحت لهم قوة اقتصادية، ونظم سياسية، وتقاليد دينية وخلقية، وأعطوا العلوم المختلفة جل اهتمامهم، فبرز منهم العديد من العلماء المتفوقين والبارعين في شتى مناحي العلم، ورفدوا حركة تطور الحضارة البشرية بجهودهم المخلصة، والتي تعكسها مؤلفاتهم القيمة والتي لا زالت حتى يومنا هذا مثار إعجاب الجميع، بل إنهم عمدوا إلى ترجمة كتب العلم المختلفة

(1) ويل دورانت، قصة الحضارة 1: 3.
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 239 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»