أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٩١
إلى سجن السندي بن شاهك (1)، وكان فاجرا فاسقا، لا يتورع عن أي شئ تملقا ومداهنة للسلطان، فغالى في سجن الإمام (عليه السلام) وزاد في تقييده حتى جاء أمر الرشيد بدس السم للكاظم (عليه السلام)، فأسرع السندي إلى إنفاذ هذا الأمر العظيم، واستشهد الإمام (عليه السلام) بعد طول سجن ومعاناة في عام 183 ه‍.
ولما كان الرشيد يخشى ردة فعل المسلمين عند انتشار خبر استشهاد الإمام (عليه السلام)، لذا عمد إلى حيلة ماكرة للتنصل من تبعة هذا الأمر الجلل، فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني وغيره (2): أن الإمام الكاظم لما توفي مسموما أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ليشهدوا على أنه مات حتف أنفه دون فعل من الرشيد وجلاوزته، ولما شهدوا على ذلك أخرج بجثمانه الطاهر ووضع على الجسر ببغداد ونودي بوفاته. ودفن في بغداد في الجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش المشهورة في أيامنا هذه بالكاظمية.
فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد سجينا مظلوما مسموما، ويوم يبعث حيا.

(١) قال أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: ٥٠٢: لما اعتقل الرشيد الإمام الكاظم (عليه السلام) أمر بإرساله إلى البصرة ليسجن عند عيسى بن جعفر المنصور، وكان على البصرة حينئذ، فحبس عنده سنة، ثم كتب إلى الرشيد: أن خذه مني وسلمه إلى من شئت، وإلا خليت سبيله، فقد اجتهدت أن آخذ عليه حجة فما أقدر على ذلك، حتى أني لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك، فما أسمعه يدعو إلا لنفسه، يسأل الله الرحمة والمغفرة.
فوجه الرشيد من تسلمه، وحبسه عند الفضل بن الربيع في بغداد، فبقي عنده مدة طويلة، ثم كتب إليه ليسلمه إلى الفضل بن يحيى، فتسلمه منه، وطلب منه أن يعمد إلى قتل الإمام كما طلب من عيسى بن جعفر فلم يفعل، بل عمد إلى إكرام الإمام (عليه السلام) والاحتفاء به، ولما بلغ الرشيد ذلك أمر به أن يجلد مائة سوط، ثم أخذ الإمام منه وسلمه إلى السندي بن شاهك لعنه الله، وكانت نهاية حياة الإمام الطاهرة على يده الفاجرة.
(٢) مقاتل الطالبيين: ٥٠٤.
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»