أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٩٦
غيرهم - وقال له: إني قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي وأضعه في رقبتك.
فقال له الرضا (عليه السلام): " الله الله يا أمير المؤمنين إنه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه ".
قال له: فإني موليك العهد من بعدي.
فقال له: " أعفني من ذلك يا أمير المؤمنين ".
فقال له المأمون - كلاما فيه التهديد له على الامتناع عليه وقال في كلامه -: إن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين (عليه السلام) وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه، ولا بد من قبولك ما أريد منك فإني لا أجد محيصا عنه.
فقال له الرضا (عليه السلام): " فإني أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على أنني لا آمر، ولا أنهى، ولا أفتي، ولا أقضي، ولا أولي، ولا أعزل، ولا أغير شيئا مما هو قائم " فأجابه المأمون إلى ذلك كله (1).
أقول: ليس بخاف على ذي لب مغزى إصرار المأمون على تولية الإمام الرضا (عليه السلام) لمنصب ولاية العهد، وتبدو هذه الصورة واضحة عند استقراء الأحداث التي سبقت أو رافقت هذه المؤامرة المحكمة.
فعندما قدم هارون الرشيد ولده الأمين رغم إقراره ومعرفته بقوة شخصية المأمون وذكائه قياسا بأخيه المدلل الذي لا يشفع له إلا مكانة أمه زبيدة الحاكمة في قصر الرشيد، كان يعني ذلك إيذانا بقيام الفتنة التي حصلت من بعد وراح ضحيتها عشرات الألوف وعلى رأسهم الأمين الذي وقف العباسيون إلى صفه وقاتلوا معه، ولما انتقلت السلطة بأكملها إلى المأمون المستقر في خراسان والمدعوم بأهلها

(1) الإرشاد: 310.
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»