أنهم يتمسكون بسنن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقط فإنها قليلة عندهم، بل بمعنى أن أحكام الخلفاء والأمراء التي أجروها في الناس صارت هي بمنزلة أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندهم، فهم أهل الحديث بهذا المعنى.
وأما أهل الرأي فكانوا يسعون سعيهم لتحصيل قول ورأي يرونه حقا وأقرب إلى الصواب بنظرهم، والرأي بهذا المعنى غير الرأي والقياس الذي قال به أبو حنيفة وأتباعه (1).
وقد ظهر في القرن الثاني والثالث أئمة بارزون من الفقهاء لهم فقه خاص يمكن أن يعد شعبة وطريقة من الفقه الدائر في بلادهم مثل الحسنية منسوب إلى الحسن البصري في البصرة، والحنفية في الكوفة، والمالكية في المدينة، والثورية في الكوفة أيضا، والأوزاعية في الشام والأندلس، والشافعية في مصر وغيرها، ولكن اشتهرت من بينها المذاهب الأربع التي منها الحنابلة، ولهذا الفقه وكيفية نشوئه وجامعه قصة طويلة.
وفي القرن الرابع حصر المذاهب الفقهية في أربع، والشروع في الحصر كان من ذاك القرن.
هذا سير الفقه الإسلامي العام باتخاذ القرآن والسنن النبوية منطلق السير، ثم حصلت قصة محو السنن والمأثورات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم نشر شيوع الرأي مع اتخاذ فتاوى الخلفاء وعمالهم مصدرا كبيرا من مصادر الفقه، ثم الانقسام إلى فقه البلاد، ثم الانقسام إلى أهل الرأي والحديث، ثم الانقسام إلى أئمة فقهاء، ثم حصر المذاهب في الأربع بعد أن كانت المذاهب المتبعة أكثر من ذلك.
وأما علي وولده (عليهم السلام) فكان لهم تشدد في التمسك بسنن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يرون للرأي مكانا في الفقه والأحكام كما قال ابن أبي الحديد: كان علي متين الدين لا يرى خلافه، وأما غيره من الخلفاء فكلما يستصوبونه ويستصلحونه