الشيعة في الإسلام - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٠٤
فنظام الخلقة مثلا إذا اسكنت الانسان على الأرض، جعلت خلقته تتناسب مع المحيط الذي يعيش فيه، وجعلت المحيط بشكل يتناسب وذلك المخلوق، كالمربية العطوف التي تربي النشأ بكل عطف وحنان، فالعالم بما فيه من شمس وقمر ونجوم وماء وتراب وليل ونهار، والفصول السنوية، والسحاب والرياح والأمطار، والكنوز التي تحت الأرض وفوقها، وبالتالي كل ما تملك من قوة سخرت لراحة الانسان وسعادته، وأننا نلاحظ هذا الارتباط والتعاون في كل مظهر من مظاهر الطبيعة، ومن كل ما يجاورنا من قريب أو بعيد، وحتى في البيت الذي نعيش فيه.
ومثل هذا الاتصال والارتباط قائم في جميع اجزاء الأجهزة الداخلية لكل مظهر من مظاهر هذا العالم، فالطبيعة لما منحت الانسان الخير مثلا، منحته الأرجل للحصول عليه، واليد لتناوله، والفم لأكله، والأسنان لمضغه، وربطته بسلسلة من الوسائل المرتبطة بعضها بالبعض الآخر كالسلاسل، والتي ترتبط بالهدف الغائي وهو البقاء والكمال لهذا المخلوق.
ولم يشك أحد من علماء العالم ان الارتباطات اللامتناهية، والتي حصل عليها أثر الدراسات العلمية لآلاف السنين، ما هي الا طليعة وبداية مختصرة لأسرار الخلقة، والتي تتبعها دراسات لا نهاية لها، وكل كشف جديد، بمثابة انذار للبشرية عن مجهولات لا حصر لها، وهل يمكن القول بأن هذا الكون الرحب، مع استقلال اجزائه، يمتاز بوحدة واتصال ومع ما فيه من اتقان مدهش، يدل على علم وقدرة غير متناهية، وهل يمكن القول بأنه وجد دون خالق، ولم يكن هناك سبب أو هدف من ايجاده؟!
وهل يمكن التصديق بأن كل هذه الأنظمة سواء الجزئية منها أو الكلية، وكذا النظام العام القائم في الكون، مع ما يتصف به من ارتباط محكم غير متناه، والذي يسير وفق نظام دقيق خاص، ولا يقبل التغيير والاستثناء، كل هذا قد جاء دون حساب، وانما مجرد المصادفة هي التي لعبت دورها في خلقه وايجاده؟ أم
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»