فلذلك تجد أكثر الناس منغمسين يفي الضلالة ومبتعدين عن الهداية بإطاعة الشهوات وتلبية نداء العواطف (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) على أن الانسان لقصوره وعدم إطاعة على جميع الحقائق وأسرار الأشياء المحيطة به والمنبثقة من نفسه، لا يستطيع أن يعرف بنفسه كل ما يضره وينفعه، ولا كل ما يسعده ويشقيه، لا فيما يتعلق بخاصة نفسه، ولا فيما يتعلق بالنوع الانساني ومجتمعه ومحيطه، بل لا يزال جاهلا بنفسه ويزيد جهلا أو إدراكا لجهله بنفسه، كلما تقدم العلم عنده بالأشياء الطبيعية والكائنات المادية.
وعلى هذا فالانسان في أشد الحاجة ليبلغ درجات السعادة إلى من ينصب له الطريق اللاحب والنهج الواضح إلى الرشاد واتباع الهدى، لتقوى بذلك جنود العقل حتى يتمكن من التغلب على خصمه اللدود اللجوج عندما يهيئ الانسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل والعاطفة. وأكثر ما تشتد حاجته إلى من يأخذ بيده إلى الخير والصلاح عندما تخادعه العاطفة وتراوغه - وكثيرا ما تفعل - فتزين له أعماله وتحسن لنفسه انحرافاتها، إذ تريه ما هو حسن قبيحا أو ما هو قبيح حسنا، وتلبس على العقل طريقه إلى الصلاح والسعادة والنعيم، في وقت ليس له تلك المعرفة التي تميز له كل ما هو حسن ونافع، وكل ما هو قبيح وضار. وكل واحد منا صريع لهذه المعركة من حيث يدري ولا يدري إلا من عصمه الله.
ولأجل هذا يعسر على الانسان المتمدن المثقف فضلا عن الوحشي الجاهل أن يصل بنفسه إلى جميع طرق الخير والصلاح، ومعرفة جميع