مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ٢ - الصفحة ٣٩١
الخفي عيشهم، المنتقلة ديارهم من أرض إلى أرض، الخميصة بطونهم من الصيام، الذبلة شفاههم من التسبيح، العمش العيون من البكاء، الصفر الوجوه من السهر، فذلك سيماهم مثلا ضربه الله في الإنجيل لهم، وفي التوراة، والقرآن والزبور، والصحف الأولى، وصفهم فقال * (سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل) *: عنى بذلك صفرة وجوههم من سهر الليل هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر المؤثرون على أنفسهم في حال العسر كذلك وصفهم الله فقال * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) *.
فازوا والله وأفلحوا، إن رأوا مؤمنا أكرموه، وإن رأوا منافقا هجروه، وإذا جنهم الليل اتخذوا أرض الله فراشا والتراب وسادا، واستقبلوا بجباههم الأرض يتضرعون إلى ربهم في فكاك رقابهم من النار.
فإذا أصبحوا اختلطوا بالناس لم يشار إليهم بالأصابع تنكبوا الطرق واتخذوا الماء طيبا وطهورا، أنفسهم متعوبة وأبدانهم مكدورة والناس منهم في راحة فهم عند الناس شرار الخلق وعند الله خيار الخلق إن حدثوا لم يصدقوا وإن خطبوا لم يزوجوا وإن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفقدوا. قلوبهم خائفة وجلة من الله ألسنتهم مسجونة (1) وصدورهم وعاء لسر الله.
إن وجدوا له أهلا نبذوه إليه نبذا، وإن لم يجدوا أهلا ألقوا على ألسنتهم أقفالا غيبوا مفاتيحها وجعلوا على أفواههم أوكية صلب صلاب أصلب من الجبال لا ينحت منهم شئ خزان العلم ومعدن الحلم والحكم وأتباع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أكياس، يحسبهم المنافق خرساء عمياء بلهاء، وما بالقوم من خرس ولا عمى ولا بله، إنهم لأكياس فصحاء حلماء حكماء، أتقياء، بررة، صفوة الله، أسكتتهم الخشية لله وأعيتهم ألسنتهم خوفا من الله وكتمانا لسر الله.
فوا شوقاه إلى مجالستهم ومحادثتهم، ويا كرباه لفقدهم، ويا كشف كرباه لمجالستهم، اطلبوهم فإن وجدتموهم واقتبستم من نورهم اهتديتم، وفزتم بهم في الدنيا والآخرة هم أعز في الناس من الكبريت الأحمر حليتهم طول السكوت بكتمان السر والصلاة والزكاة

1 - في الأصل: مشحونة، وفي المصادر: مسجونة.
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»