إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - الشيخ علي اليزدي الحائري - ج ١ - الصفحة ٣٦٨
فيجتمع لسببها فيها عسل كثير، ثم يأتي المطر فيغسله ويجريه إلى البحر فيشربه الحيتان، ومن شمعه يحصل العنبر الأشهب، فإن في وقت الجريان من الجبل يبقى شيئا فشيئا في سفح الجبل، وبإشراق الشمس على تلك الشموع تتفرق في تمام تلك الصحراء، وكنا نأتي منه في كل يوم أمنان إلى أن جمع مائة من، وصنعنا منه في الزورق حوضا، وصنعنا منه ظروفا وحملنا الماء منها إلى الحوض حتى ملئ منه، ثم جمعنا لطعامنا من الأصول المعروفة بچيني، وكان كثيرا في الجزيرة ثم صنعنا من لحاء الأشجار حبالا وثيقة وشددنا بها رأس الزورق، وربطناه برأسها الأخرى على شجرة عظيمة.
ثم انتظرنا أيام مد البحر وزيادة مائه إلى أن بلغ وقته، ووقع الزورق فوق الماء فحمدنا الله تعالى وجلسنا فيه فلم يتحرك من مكانه فتأملنا فإذا برأس الجبل مشدود على الشجرة، ونسينا أن نفكه فأراد أحد الغلامين أن ينزل فنزلت أمهما قبلهما، وفكت الحبل وأخذ الموج الحبل من يدها، وأذهب بالزورق إلى وسط البحر، فأخذت المرأة في البكاء والنحيب والصياح والعويل والحركة من طرف إلى طرف، فلما بعدنا منها صعدت شجرة تنظر إلينا وتبكي وتتحسر، فلما غبنا طرحت نفسها منها، والغلامان لما يئسا منها شرعا في البكاء والأنين والقلق والاضطراب إلى أن وصلنا قبة البحر، خافا من نفسهما فسكتا، فلما مضى علينا سبعة أيام وصلنا إلى الساحل ولما كنا عراة صبرنا حتى أظلم الليل، فعلوت على مرتفع فرأيت سواد بلاد وضوء نار، فذهبت إليه مهتديا بعلامة النار، فلما وصلت إليه رأيت بابا عاليا فدققت الباب فكانت الدار لرجل تاجر من رؤوساء اليهود، فخرج فأعطيته قليلا من العنبر الأشهب، وأخذت منه أثوابا وفرشا ورجعت في الليل إلى ولدي وسترنا عوراتنا، فلما أصبحنا دخلت البلد، وأخذت هذه الحجرة في هذا الخان، وجئت بولدي وصيرت من الفرش جوالق حملت بها في الليل العنبر والچيني من الزورق إلى الحجرة، وبعت منها على التدريج، واشتريت متاع البيت وصرت في زي التجار، والآن قريب سنة أنا في الهم والبكاء والقلق من فراق العاجزة الضعيفة المهجورة وكذلك الأولاد.
فلما بلغ كلامه هذا المقام عرضتني رقة فبكيت معه ساعة ثم قلت له: لا راد لقضاء الله وتدبيره، ولا مغير لمقاديره وحكمته، ولكني أظن أنك لو زرت الإمام الثامن أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، وشكوت إليه ما دهاك من هذه المصيبة، وعرضت عليه قصتك وقصة زوجتك
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»