لأجاب مسؤولك وكشف ضرك ونفس همك، فإنه لم يلجأ إليه أحد إلا أصلح حاله، ولم يستعن به ضعيف إلا أعانه، ولم يستغث إليه مضطر إلا أغاثه، فإنه أبو الأيتام وملجأ الأنام وذخر المفلسين وكهف المظلومين.
فلما سمع كلامي أثر في قلبه ووقع في روعه، فعاهد الله تعالى مخلصا في هذا المجلس أن يصنع قنديلا من الذهب الخالص، ويمشي راجلا إلى زيارته، ويشكو إليه ضره وفاقته ويطلب منه الاجتماع مع زوجته، ثم قام وطلب الذهب من يومه وصنع القنديل وركب السفينة وقطع الفيافي والقفار، إلى أن بلغ مرحلة من المشهد الرضوي، ورأى المتولي في تلك الليلة الإمام (عليه السلام) في المنام وقال (عليه السلام) له: غدا يدخل علينا زائر لنا فاستقبله، فلما أصبح خرج مستقبلا مع جميع أرباب المناصب في الحضرة الرضوية، وأدخلوه في البلد معززا مكرما، وأدخلوا القنديل في الروضة وعلقوه في محله، فلما استقر به الدار خرج من هيئة المسافر واغتسل ودخل الروضة المنورة، وقبل تلك القبة الشريفة واشتغل بالزيارة والدعاء إلى أن مضى برهة من الليل، وأخرجوا الخدام غيره من الزائرين وسدوا الأبواب ومضوا لشأنهم، فلما اختص به الحرم ورأى نفسه فريدا سكت ساعة، ثم اشتغل بالتضرع والبكاء والاستغاثة بالإمام (عليه السلام)، وسأل منه الوصول إلى زوجته وألح فيه إلى أن بقي ثلث الليل وقد أعيى من كثرة الإلحاح والدعاء، فسجد فغلبه النوم فسمع هاتفا يقول: قم، فلما قام من السجدة رأى الإمام الهمام أبا الحسن الرضا (عليه السلام) واقفا فقال له: قم فقد أوتيت بزوجتك وهي الآن واقفة خلف الروضة فاذهب إليها.
فقال: فديتك بنفسي إن الأبواب مسدودة. فقال (عليه السلام): الذي أتى بها من ذاك المكان البعيد إلى هنا يتمكن من فتح الأبواب المغلقة، فخرج فكلما مر بباب انفتح له إلى أن بلغ خلف الروضة، فرأى زوجته على الهيئة التي خلفها في الجزيرة متحيرة خائفة، فلما رأت بعلها تعلقت به فقال لها: من أبلغك إلى هذا المقام؟ فقالت: كنت في شاطئ البحر جالسة متفكرة، وقد أصاب عيني رمد شديد وألم موجع من شدة البكاء، أتأوه من شدته فإذا بشاب قد أضاء بنور وجهه جميع البر والبحر في هذا الليل المظلم، فأخذ بيدي وقال: غمضي عينيك فغمضتهما وفتحتهما بعد زمان، فرأيت نفسي في هذا المكان، فذهب بها إلى الحجرة عند ولديه، وجاوروا بعد ذلك في ذاك المكان الشريف إلى أن توفوا.