وإعظامه والرجوع إليه في المهمات، كان ذلك شاهد حال على عدم رجحان غيره عليه، وحصول العلم من هذا الطريق شائع معلوم، مثلا إذا عرفت إنسان بالجود والكرم والإحسان فلا ريب إن الجلوس على باب داره والاتكاء على جداره لا يحتاج بالبداهة إلى استيذانه، وكذا لو أضاف مبغضيه وأكرم معاديه، فإكرامه لمحبيه معلوم بشاهد الحال، وهكذا في ساير موارد ما يحصل العلم به من الرضا والكراهة والكرم والبخل والفسق والعدالة وغيرها من الصفات الخفية، وحينئذ من نظر بعين الإنصاف وتفكر في أحوال سيد المرسلين قطع باستخلافه لأمير المؤمنين دون غيره من الصحابة المسلمين وأقامه مقامه في الإمارة، وحمله أعباء الرسالة نظرا إلى أنه (ص) له التصرف في جميع أمور العالم وله معرفة ما يصلحهم مما يفسدهم، وجعل لكل واقعة حكما يناسبها وما ترك الناس في وهدة الضلالة، وبين الأحكام حتى آداب التخلي وأرش الخدش، وعرفهم طريق السلوك وآداب المعيشة بقانون الحكمة الإلهية، وبين لهم طريق السياسات حتى غلبة العدو في الحروب، وأوضح لهم طرقها وكيفياتها حتى بهر العقول وأذعنت العقلاء بأن ما حواه ممتنع الحصول ولولا الإطالة لذكرنا من بعض أخلاقه وآدابه وسيرته مما لو وعاها العاقل وبها تدبر لصقع لوجهه وقال يا سبحان الله ما هذا بشر، ولذلك كانت شريعته من أقوى معا جزه، ومن الواضح أنه إذا كان بهذه المرتبة التي لم تحصل لأحد من الخلق من بني آدم من إدراكه لما لا تدركه العقول، وإحاطته بالأحكام وتفاصيلها فيقطع من له أدنى روية ومسكة بأنه (ص) بالنسبة لأمته أشفق من الوالد الرؤوف، وإن رحمته ولطفه على الأمة أكثر من حياطة
(٥٧)