أقول: إن كان المدار على الصور دون الحقائق، فسجود الملائكة لآدم، وسجود يعقوب ليوسف، قاض بأنهما عبدا غير الله.
وإن قلت: بأن تعلق إرادة الشرع دفعت المنع. فقد أوردنا من الأخبار وكلام الصحابة ما يفيد عدم المنع، من أمثال الصور التي ذكرت.
ثم بالله عليك أنصف، ما الفرق بين قول الصديق لصاحبه في السجن (أذكرني عند ربك) (1) وبين قولنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اذكرني عند ربك).
ثم كيف باستغاثة ولي موسى (2) ولم يحكم عليه بالكفر؟! ثم كيف باستطعام موسى والخضر أهل القرية (3)؟ ثم كيف يقول أصحاب موسى (لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك) (4) ثم ما معنى قول الأسباط ليعقوب (إستغفر لنا ذنوبنا) فقال: (سوف أستغفر لكم ربي) (5)؟!
وعلى كل حال إن أريدت الحقائق في الاستغاثات والدعوات وغيرها، ففي ذلك خروج عن طريقة الإسلام، وإلا فلا بأس، وإلا للزم ألا يخرج من الكفر أحد من العالم، ولا يمكنك والله ولا يسعك إلا أن تقول إنما يراد دعاء خاص، واستغاثة خاصة ونحو ذلك، فيرتفع المحذور.
وأما من قصد حقيقة العبادة مع غير الله، ليتقرب إلى الله زلفى، أو لغير ذلك، فهو خارج عن ربقة الإسلام.
وما ذكرتم من أنا نفرق بين الصالحين وغيرهم، فمعاذ الله أن نفرق بين من يعبد موسى أو محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، أو يناديهم ويدعوهم، أو يستغيث بهم أحياء وأمواتا، ويلجأ إليهم على أن لهم الأمر أو ليقربوه زلفى، وبين من يعبد فرعون، وهامان، وإبليس.
أين النفوس المقرونة بالأبدان التي تتغير من أدنى حوادث الزمان، ولا زالت موردا للأمراض، ومحلا للأغراض، لا تدفع شيئا من حوادث الدهور، وليس لها في كل الأمور من أمر من رتبة المعبود. ومن لا يصلح لغيره الركوع والسجود، إنما هم عبيد زادت علينا