ولذلك نقول في أمر بناء (المساجد) و (الحضرات)، فأنهم كانوا لا يرفعون البناء، ولا يزينون الدور، لما بهم من القصور، فإذا كانت بيوت الله، وبيوت أنبيائه لم يرفع بناؤها طابت نفوس الفقراء، واطمئنت قلوبهم.
وأما في مثل هذه الأيام ونحوها، حيث ارتفع بناء الدور، فلا وجه لجعل بيوت الله أخفض منها، ومن يرضى بتعلية بيوت الخلق على بيوت الخالق مع أن في تعليتها تعظيما لشعائر الله، وهي البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
و (القباب) منها، لأنها جعلت للعبادة، وليس في بناء القباب تجديد قبر، لأن القبر باق على حاله لم يجدد، وإنما وضع أساس القبة بعيدا عنه، ليكون فيها علامة على (المزار) الذي ندب إلى زيارته العزيز الجبار، ولتكون ظلالا للزائرين، فلا تدخل في باب التجديد أصلا، وكذا صندوق الخشب، فأنه أجنبي عن القبر لا دخل له به.
وعن كل حال فأصل وضع البناء لهذه المقاصد الجليلة ليس فيه بأس أصلا، ولو تركت العلامات ما أمكن التوصل إلى زيارة أكثر الأموات لاندراس آثارهم، فوضع هذا للتمكن من إدراك فضيلة زيارة القبور، وكلما كان الشاهد أحكم، كانت دلالته على المشعر أدوم.
وأما قضية (الزينة) فقد روي عن علي عليه السلام أن بعض الصحابة أشاروا على عمر أن يأخذ زينة الكعبة ليقوي بها جيوش المسلمين، فقال له علي عليه السلام: إن الأموال قسمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الفقراء، وكانت في ذلك اليوم الحلي موجودة ولم يقسمها، فلا تخالف وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمر رضي الله عنه: (لولاك افتضحنا)، وأبقى الحلي على حالها.
والأصل في بناء (القباب) وتعميرها، ما رواه البناني (واعظ أهل الحجاز) عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين، عن أبيه علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: والله لتقتلن في أرض العراق، وتدفن بها. فقلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها. فقال لي: يا أبا الحسن إن الله جعل قبرك وقبر ولديك بقاعا من بقاع الجنة، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه، وصفوة من عباده تحن إليكم، ويعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتها، تقربا إلى الله تعالى، ومودة منهم لرسوله. يا علي من عمر قبوركم وتعاهدها، فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
ونقل نحو ذلك أيضا في حديثين معتبرين: نقل أحدهما الوزير السعيد بسند،