عبوديتهم، وخدام سبقت خدمتنا خدمتهم.
فأن أمرنا بتقبيل بنائهم، أو تعظيم أبنائهم، أو التماس دعائهم، فعلنا امتثالا لأمر ربنا، كما صنعنا ذلك في أحجار الكعبة وأركانها. وإن نهانا تركنا، إذ لا خوف إلا من الله، ولا رجاء إلا له.
وأما قولك: إنه قد ورد في الحديث عن الصادق الصدوق، قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فأن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) (1).
وفي الحديث الثاني، قال: إفترقت اليهود والنصارى عن اثنين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة عن ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. وسئل عن الواحدة، فقال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي (2) (انتهى).
أقول: اللهم إني رضيت بسنة الخلفاء الراشدين حكما، وما عليه أصحاب محمد متمسكا وملتزما، فأحل ما أحلوه، وأفعل ما فعلوه. وهذه أقوالهم وسيرتهم في هذه الرسالة أوضحتها، فلا أزيغ عنها، ولا أبعد مسافة منها، فتتبع ما رويت من أخبارهم، وما نقلت من آثارهم، رزقني الله وإياكم حلاوة الأنصاف، وجنبنا مرارة الجدال والاعتساف.
وأما قولك: (فلا تغتر بالكثرة وهذا الثابت عن نبيك، والله يقول: (وقليل من عبادي الشكور) (3) وقال: (إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) (4).
وفي الحديث: إن بعث الجنة من الألف واحد، فأنت اختر لنفسك، والمهدي من هاده الله)، إنتهى.
أقول: يا أخي، الوصية مشتركة بيني وبينك، فالذي علي ألا تأخذني حمية الآباء والأجداد، وحب الطريقة المأنوسة بين العباد، بل أنظر بعين البصيرة وإخلاص السريرة.
وأما أنت فأني أخشى عليك من حب الانفراد، حتى لا تكون كبعض الآحاد، فأن الأصابع لم تزل ممدودة إلى من ركب جادة غير معهودة، وقد ورد في المثل: (خالف تعرف).