أريد بها الاستغاثة به، فيكون هذا أولى في بيان ذل المستغيث، وإنه لا يرى لسانه أهلا لأن يجري عليه اسم المولى، ولهذا ترى أن طاعة الله تذكر بعدها طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورضاه يذكر بعد رضى الله ورسوله، وإذا انفردت أحداهما دخلت فيها الأخرى.
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني (1).
وكيف يستغاث حقيقة بمن لا يدفع عن نفسه ضرا ولا شرا، ولا يملك رزقا، ولا موتا، ولا حياة ولا نشورا، المبدئ من تراب، ثم نطفة مودعة في الأصلاب، ثم جسم معرض للبليات، ثم بعدها يكون من الأموات.
وإنما شرفه بالعبودية والانقياد للحضرة القدسية، ولولا أمر الله ما سمع له كلام، ولا رفع له مقام، وليس بيننا وبينه ربط سوى أمر الملك العلام.
فليس المراد بالاستغاثة إلا طلب الدعاء من المستغاث به، لما في الحديث القدسي:
يا موسى ادعني بلسان لم تعصني فيه، يا رب وأين ذلك؟ فقال: لسان الغير.
فالمستغيث إن طلب أصالة واستقلالا من المستغاث به، كان معولا عليه في كل أمر يرجع إليه، وإلا فالمستغاث به حقيقة هو الذي تنتهي إليه الأمور.
وكذلك الدعاء إن قصد أن المدعو هو الفاعل المختار الذي تنتهي إليه الأشياء، فذلك كفر برب السماء، وإن أريد المجاز، فلا يدخل تحت حقيقة الدعاء.
ولا ريب أن كل من قال لشخص: أعني على بناء الدار، أو قضاء الدين، أو قال:
أعطني، أو غير ذلك، بقصد الدعاء، أعني: طلب المربوب من الرب، فهو كفر وإشراك. وإن قصد الطلب لا على ذلك النحو، لم يكن كفرا.
ولو كان المدار على هذه الصورة، لكفرت الخلائق من يوم آدم إلى يومنا هذا، بل صدور هذه العبارات عن الأنبياء والأوصياء أبين من الشمس.
وكذلك (الاستجارة)، و (الندبة)، ونحوهما، فأن كانت على الطور المعهود، كقوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) (2) (فاستغاثه الذي من شيعته على