الذي من عدوه) (1) (فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض) (2) فلا محيص عن القول بجوازه. فتفاوت العبارات باختلاف النيات.
فمن كان داعيا دعاء الأصنام وسائر الأرباب، أو مستغيثا كذلك، فهو كافر مشرك.
وإن أراد المتعارف بين سائر الناس، فليس به بأس.
فبحق من شق سمعك وبصرك، أن تمعن في هذا المقام نظرك، وتصفي نفسك عن حب الانفراد، كما يلزمنا التخلية عن حب متابعة الآباء والأجداد.
ولا فرق بين الأحياء والأموات، لأن من استغاث بالمخلوق أو استجار، على أنه فاعل مختار، فقد دخل في أقسام الكفار، فالاستغاثة بعيسى أو بمريم، حيين أو ميتين، تقع على القسمين.
واعتقاد أن الميت يسمع أو لا يسمع، ليس من عقائد الدين التي تجب معرفتها على المسلمين، فمن اعتقدها: فأما أن يكون مصيبا مأجورا، أو مخطأ معذورا.
ومن ذلك القبيل الألفاظ التي تفيد الرجاء، والتوكل، والاعتماد، والتعويل، والالتجاء، والاستغاثة بغير الله، فأن هذه العبارات لو بني على ظاهرها لم يبق في الدنيا مسلم، إذ لا يخلو أحد من الاستعانة على الأعداء، والاعتماد على الأصدقاء، والالتجاء إلى الأمراء، ونحو ذلك.
إلا أنه إن قصد الملتجأ إليه والمعول عليه من المخلوقين له اختيار وتدبير في العالم لنفسه لا عن أمر الله، فذلك كفر بالله، وإلا فلا بأس.
ومما يناسب نقله في هذا المقام ما نقله القتيبي، قال: كنت جالسا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي، فسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * فيه العفاف، وفيه الجود والكرم ثم قال: ها أنا ذا يا رسول الله، فقد ظلمت نفسي، وأنا أستغفر الله وأسألك يا رسول الله أن تستغفر لي. قال القتيبي: ثم نمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، فقال: يا قتيبي أدرك الأعرابي وبشره أنه قد غفر الله له، قال: فأدركته وبشرته.