ومقتضى ذلك أنه من اللازم الرجوع إلى سيرة الصحابة وطريقتهم، وانها الميزان إذا اشتكلت علينا الأمور، وتعارضت علينا الأدلة، وسيتضح أن جميع ما ينكر من هذه الأفعال الموردة صادرة عن الصحابة، وطريقتهم مستمرة عليه، مع أن في السنة ما يدل على جوازه.
وما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا (1)، فلا ينافي ما ذكرناه، لأن فرقة الإسلام بين طوائف الكفر كنقطة في بحر.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما أنتم في الناس إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود (2). وعوده غريبا في أيام الدجال، ونحوه يكفي في صدق الخبر.
وروى عبد الله بن مسعود (3) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، رواه مسلم (4).
وعن أبي سعيد الخدري (5) عن النبي أنه قال: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الدنيا الله (6).
وكل ما صدر في زمان الصحابة من الأعراب بمحضر منهم ولم ينكروه، فهو موافق لرضاهم، وإلا لأنكروه. ولهذا أوردنا في هذه الرسالة كثيرا مما صدر في زمانهم من غيرهم.
وعلى كل حال، فلا كلام في أن الأدلة فيها عام، وفيها خاص، وفيها ناسخ، وفيها منسوخ، وفيها مجمل، وفيها مبين، وفيها مطلق، وفيها مقيد، ومنها قطعي الصدور ظني الدلالة، ومنها قطعي الدلالة ظني الصدور، ومنها ظنيهما، ومنها قطعيهما. ومن جهة اختلاف السند: منها صحيح، وضعيف، وحسن، وموثق، وقوي إلى غير ذلك.
فإذا تعارضت الأدلة، فلابد من النظر إلى المرجحات: من جهة السند، أو من جهة