لذلك لخطاب (يا أيها الذين آمنوا) (1) إلى غير ذلك.
وكذا في الفروع الفقهية، فأن كلا من الفقهاء له مأخذ من الكتاب والسنة، مغاير لمأخذ صاحبه، كما لا يخفى على المتتبع، فلمن أراد أن يبيح جميع الأشياء قوله تعالى: (خلق لكم ما في الأرض) (2) ومن قصر التحريم على أربعة استند إلى ما دل على تحليل جميع الأشياء ما عدا الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، من جميع ما خلق الله. والحاصل أن كل من أراد العناد والعصبية، فله مدرك يتشبث به من آية قرآنية، أو سنة محمدية، ويكون صاحب مذهب ورأي، يباحث الفضلاء، ويناظر أساطين العلماء، ما لم يكن له حاجب من تقوى الله. ولقد أجاد بعض القدماء، من فحول العلماء حيث يقول: إن المسائل الشرعية عندي بمنزلة الشمع اللين، أصوره كيف شئت لولا تقوى الله. ونقل أن بعض الفضلاء أخذ قطعة من قرطاس في محفل من الناس، فأورد عليهم براهين على أنها قطعة ذهب، حتى أقروا بذلك.
ولكن من أراد رضا الجبار، ورجا الفوز بالجنة، وخاف عذاب النار، ينظر إلى المعادلة في الدلالات، ثم ينظر المرجحات الخارجيات، وأولاها التأمل في طريقة الصحابة وسيرتهم، فأنها أعظم شاهد على ما حكم به الجبار، وجرت عليه سنة النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم فأن لكل ملة طريقة يرجعون إليها، ويعولون عند وقوع الاشتباه عليها.
وقد يحصل العلم بما عليه الأمراء، من النظر إلى عمل أتباعهم، وأشياعهم، ورعاياهم، وخدمهم، وحشمهم، لأن الأثر يدل على مؤثره، والمنتهى يدل على مصدره.
وبعد العهد بيننا وبين زمان (الصدور)، ربما أخفى علينا كثيرا من الأمور، فإذا حصل الاجماع والاتفاق، ارتفع النزاع والشقاق، وكذلك إذا اشتهر أمر بين السلف وظهر، فلا وجه للانصراف عنه إلى ما شذ وندر.
فقد علم أن الميزان الذي لا عيب فيه، ولا نقص يعتريه، هو الرجوع إلى كلام الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، لأنه موضح وكاشف لحكم سيد المرسلين.