الزحام، وكان الوزير القمي قد طلب السعيد رضي الدين (رحمه الله) فتقدم أن يعرفه صحة الخبر.
قال: فخرج رضي الدين ومعه جماعة فتوافينا باب النوبى فرد أصحابه الناس عني فلما رآني قال: أعنك يقولون؟ قلت: نعم، فنزل عن دابته وكشف فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي، فسألني الوزير عن القصة فحكيت له فاحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها وقالوا ما دواؤها إلا القطع بالحديد، ومتى قطعها مات، فقال لهم الوزير: بتقدير أن تقطع ولا يموت في كم يبرأ؟
فقالوا: في شهرين وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر، وسألهم الوزير: متى رأيتموه فقالوا: منذ عشرة أيام، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلا، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها، ثم إنه أحضر عند الخليفة المستنصر فسأله عن القصة فعرفه بها كما جرى، فتقدم له بألف دينار فلما حضرت قال: خذ هذه فأنفقها فقال ما أجرأ آخذ منه حبة واحدة فقال الخليفة: ممن تخاف؟ فقال من الذي فعل معي هذا قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئا فبكى الخليفة وتكدر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئا.
قال الشيخ الفاضل علي بن عيسى في كشف الغمة عقيب ذلك: كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي، وكان شمس الدين محمد ولده عندي، وأنا لا أعرفه فلما انتقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه فعجبت من هذا الاتفاق فقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟ فقال: لا لأني أصبو عن ذلك ولكني رأيت بعد ما صلحت ولا أثر فيها وقد نبت في موضعها شعر.
وقال علي بن عيسى أيضا: وسألت السيد صفي الدين محمد بن محمد بن بشر العلوي الموسوي ونجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما الله وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي فأخبراني بصحة هذه القصة وأنهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها، وحكى لي ولده هذا أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه (عليه السلام) حتى إنه جاء إلى بغداد وأقام بها فصل الشتاء، وكان كل يوم يزور سامراء ويعود إلى بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعا أن يعود له الوقت الذي مضى، أو يقضي له الحظ بما قضى، ومن الذي أعطاه دهره الرضا أو ساعده بمطالب صرف القضا؟ فمات بحسرته وانتقل إلى الآخرة بغصته، والله يتولاه وإيانا برحمته وكرامته.
ثم قال الثانية: علي بن عيسى في كشف الغمة: وحكى لي السيد باقي عطوة العلوي الحسيني