مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٣٤٢
خلق الأجسام والأشباح؟ أما سمعت قصة الجني، إذ كان عند النبي صلى الله عليه وآله جالسا، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فجعل الجني يتصاغر لديه تعظيما له وخوفا منه، فقال: يا رسول الله إني كنت أطير مع المردة إلى السماء قبل خلق آدم بخمسمائة عام، فرأيت هذا في السماء فأخرجني وألقاني إلى الأرض، فهويت إلى السابعة منها، فرأيته هناك كما رأيته في السماء (1).
أيها السامع لهذه الآثار، لا تبادر إلى التكذيب والإنكار، فإن الشمس إذا أشرقت يراها أهل السماء كما يراها أهل الأرض، وينفذ ضوؤها ونورها في سائر الأقطار، وهي في مكانها من الفلك الدوار، وليست الشمس أعظم ممن خلقت من نوره سائر الأنوار، دليله قوله: أول ما خلق الله نوري، ثم عصره فخلق منه أرواح الأنبياء، ثم عصره عصرة أخرى فخلق منه الشمس والقمر وسائر النجوم (2).
فليت شعري ماذا أنكر من أنكر؟ أأنكر وجوده قبل ا لأشياء، أم أنكر قدرته على الظهور فيما يشاء، ومن أنكر الأول فهو أعور، ومن أنكر الثاني فإما أن يعمى أو يبصر! أما تنظر إلى الماء إذا أفرغ في الأواني الزجاجية ذات الألوان كيف يتلون بألوانها للطفه وبساطته، والمادة الشفافة إذا أدنيتها إلى خط مرقوم فإنك تقرأه منها، والقمر إذا طل على البحر فإنك تراه في أفق السماء وفي قعر الماء، ومحمد وعلي هما البحر اللجي، والماء الذي منه كل شئ حي، والكلمة التي بها ظهر النور، ودهرت الدهور، وتمت الأمور، إلى يوم النشور.
ويكفي في هذا الباب قولهم: أمرنا صعب مستصعب لا يحمله نبي مرسل ولا ملك مقرب (3).
وإذا كان أمرهم وسرهم لا يحمله الملائكة المقربون، ولا الأنبياء والمرسلون، وسكان الحضرة الإلهية لا يعرفون، فكيف رددتم ما لم تحيطوا به خبرا وكذبتموه؟ ألم تعلموا أنهم الشجرة الإلهية التي كل الموجودات أوراقها وألفاقها؟ والسر الخفي المجهول الذي لا تدركه الأفهام والعقول، ولله در أبي نؤاس إذ يقول:
لا تحسبني هويت الطهر حيدرة * لعلمه وعلاه في ذوي النسب ولا شجاعته في كل معركة * ولا التلذذ في الجنات من أربي

(١) حلية الأبرار: ٢ / ١٦، ومدينة المعاجز: ٢ / 445.
(2) راجع البحار: 15 / 24 و: 25 / 22.
(3) تقدم الحديث مع تخريجه.
(٣٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 336 337 338 339 341 342 343 344 345 346 347 ... » »»